برغم العلاقات الوثيقة بين أجهزة الإستخبارات الأميركية والإسرائيلية ووفرة المعلومات الاستخبارية التي يقدمها الأميركيون لإسرائيل، فإن مردود التعاون بين الجانبين «يميل على نحو كامل تقريباً» لمصلحة الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية. هذه خلاصة وثيقة لوكالة الأمن القومي الأميركي، NSA، كشف عنها كتاب جديد سيصدر قريباً في الولايات المتحدة بعنوان «لا مكان للاختباء»، من تأليف الصحافي البريطاني، غالن غريوالد، الذي كان أول من كشف عن قضية العميل السابق في الوكالة، إدوارد سنودن، وتسريبه لملايين الوثائق من أرشيفها المحمي.

وتحمل الوثيقة التي يوردها غرينوالد في كتابه عنوان «استعرض الشركاء الأجانب»، وهي تعود إلى عام 2012، وتورد أسماء عدد من الدول التي كانت تتلقى أجراً مالياً من الوكالة الأميركية لقاء التجسس لمصلحتها، منها إسرائيل والأردن وباكستان وكندا واليابان وتايوان وتايلند.
وتنص الوثيقة التي يقتبس عنها الكاتب على نحو واضح على أن NSA «تنقل على نحو ثابت لوحدة الجمع الاستخباري الإلكتروني (الإسرائيلية، أي وحدة 8200) مواد خضعت لعملية الغربلة وأخرى لم تخضع لهذه العملية».
كذلك تستعرض الوثيقة تاريخ التعاون بين الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، وتظهر كيف أن «بإمكان دولة أن تتعاون مع الولايات المتحدة في المجال الاستخباري، وفي الوقت نفسه تكون ناشطة تجسسياً ضدها». وتشير الوثيقة إلى «مشاكل تتعلق بالثقة (حيال إسرائيل) ومشاكل تتعلق بعمليات استخبارية سابقة».
وتؤكد الوثيقة أن الأنشطة التجسسية الإسرائيلية في الولايات المتحدة هي بين الأكثر عدوانية ضد واشنطن. ويرد فيها «ثمة مفاجآت... فرنسا تتجسس على وزارة الدفاع الأميركية، وتستخدم وسائل تقنية لجمع المعلومات، والإسرائيليون أيضاً حددونا كهدف لعمليات التجسس». من جهة، الإسرائيليون شركاء استنثائيون في جمع المعلومات الإلكترونية من أجلنا، لكن من جهة أخرى هم حددونا كهدف استخباري ويتجسسون علينا بهدف الاطلاع على مواقفنا في ما يتصل بقضايا الشرق الأوسط. وهناك وثيقة تقدير قومي تصنف إسرائيل في المرتبة الثالثة على سلم العدوانية الاستخبارية ضد الولايات المتحدة».
كذلك تشير الوثيقة إلى أن التعاون الاستخباري بين تل أبيب وواشنطن لا يعود بفائدة كثيرة على الأخيرة. فالاستخبارات الإسرائيلية، بحسب الوثيقة، معنية فقط بجمع المعلومات التي تفيد احتياجاتها، لذلك فإن «هذا التعاون يميل على نحو كامل تقريبا لجهة إسرائيل فقط».
تضيف الوثيقة «إن إيجاد توازن بين الاحتياجات الأميركية والإسرائيلية في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية الإلكترونية تحول إلى تحد دائم في العقد الماضي. عملياً، تبادل هذه المعلموات ينحاز على نحو سافر لمصلحة الاحتياجات الإسرائيلية. مرت هجمات 11 أيلول، لكن الشراكة الحقيقية الوحيدة مع إسرئيل، في مجال مكافحة الإرهاب، موجهة تقريباً كليا باتجاه احتياجات الشريك».
وفي السياق، يعرض غرينوالد مذكرة تفاهم بين NSA وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تسلط الضوء على ما يعدّه الكاتب الطريقة الشاذة التي تدير بها الولايات المتحدة علاقاتها الاستخبارية مع إسرائيل. فهي تشير إلى أن الوكالة الأميركية تتشارك مع الأجهزة الإسرائيلية وبصورة روتينية معلومات استخبارية خاصة، تتعلق باتصالات بين مواطنين أميركيين، بما في ذلك نصوص مكالمات وملفات صوتية وداتا إلكترونية ووثائق أرسلت عبر الفاكس، وغير ذلك.
وبحسب الكاتب، فإن هذه المواد لم تخضع لفحص استخباري جذري قبل نقلها إلى إسرائيل، لكن الأكثر فضائحية في ما يتعلق بهذا الأمر هو أنه مخالف للقانون الأميركي. ويشير غرينوالد إلى أن القانون الأميركي يلزم بإجراء عملية غربلة للمواد من خلال آلية يطلق عليها minimization أي «محو المعلومات المتعلقة بمواطنين أميركيين عاديين، غير مشتبه فيهم، من الذين تدخل اتصالاتهم ضمن الشبكة الواسعة»، لكن «عندما يتعلق الأمر بتشارك المعلومات مع الاستخبارات الإسرائيلية، فإن وكالة الأمن القومي الأميركي تتجاهل التزاماتها القانونية الملزمة».
ويشير غرينوالد في كتابه إلى أن الـ NSA لديها علاقات استخبارية وثيقة جداً مع إسرائيل، وهي بمستوى العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأقرب مثل أستراليا وكندا ونيوزيلند وبريطانيا، وهي المجموعة التي يطلق عليها، بحسب الكاتب، اسم «الأعين الخمس».
ووفقاً للكتاب، فإن إسرائيل تُعد بين دول «الطبقة الثانية»، Tier B، التي تتسم علاقات NSA بها بـ «شراكة مُركزة». وتشمل هذه الطبقة دولاً يطلق عليها اسم «الأطراف الثالثة» منها الجزائر، إثيوبيا، الهند، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، تونس، الأردن، وعدة دول أوروبية، من بينها ألمانيا واليونان والدانمارك والسويد وإسبانيا وبولندا.