في ساعة متأخّرة من الليل، كانت قوّة من جيش الاحتلال يتجاوز تعدداها الـ40 جندياً تطْرق باب بيت عائلة فيروي بشكل همجي. تَبادر إلى ذهن ربّ البيت، مقبل، أن القوّة التي اقتحمت منزله وعبثت بمحتوياته كانت قد تلقّت معلومة أمنية بوجود مطلوبين في منزله، قبل أن يصدمه ضابط إسرائيلي بأن المطلوب هو نجله الطفل سند، ذو الـ12 عاماً. يقول الرجل: «عبث الجيش بمحتويات المنزل، وانتهك حرمته، وحطّم محتوياته، ثمّ سألنا عن سند». ليلتها، كان طفله يبيت عند أقربائه، فتَسلّم هو استدعاءً بضرورة حضور ابنه على الفور إلى إحدى نقاط الجيش القريبة. يروي والد الطفل الذي أضحى أسيراً، أنه وفور تسليم نجله لنفسه، تعرّض الأخير لتعذيب وضرب مبرح أمام عيني أبيه، ما تسبّب بفقدانه للوعي، ناهيك عن أن سند، الذي رصدته كاميرات جيش العدو وهو يلقي عدداً من الحجارة على دورية إسرائيلية أثناء قيامها بجولة في أحد أحياء الضفة الغربية المحتلة، خضع للتحقيق لمدّة 13 يوماً متواصلة، تعرّض فيها وفق ما يروي والده لتعذيب جسدي ترك آثاراً وكسوراً في أطرافه ووجهه. وبعد 17 يوماً من الاعتقال قضاها في غرف العزل الانفرادي، أطلق الاحتلال سراح الطفل، ليخضع بعدها لعدد من العمليات الجراحية في الأنف والوجه. سند هو واحد من 225 طفلاً يقبعون حتى اليوم في ثلاثة سجون إسرائيلية هي عوفر ومجدو والدامون، ويخضعون لمحاكمات عسكرية، وتُوجَّه إليهم تهم إلقاء الحجارة والمشاركة في التظاهرات الشعبية، علماً أن الأحكام الصادرة بحقّهم غير مقيّدة بقانون، إذ تتراوح ما بين عدّة أيام أو أشهر، وتصل في بعض الأحيان إلى الحكم المؤبّد مدى الحياة. يروي الأسير المحرَّر رامي عزاره الذي اعتقلته قوات الاحتلال في عام 1990 عندما لم يكن يتجاوز عمره الـ15 عاماً ليقضي أكثر من 15 سنة في السجون، أن قوات الاحتلال داهمت بيت ذويه في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، وكان هو حينها خارج المنزل، فاعتُقل والداه وأخوه إلى أن يسلّم نفسه. يتابع في حديثه مع «الأخبار»: «فور اعتقالي بدأ مسلسل التعذيب الجسدي، ضرب مبرح وشتائم بألفاظ نابية وتهديد بهدم منزل عائلتي الذي هدموه لاحقاً، ثمّ الاعتقال مع المعتقلين الجنائيين». أمّا عن خصوصية كونه طفلاً، فيجيب الرجل الذي قضى فترة شبابه في السجون: «لا توجد أيّ اعتبارات للسنّ، جميع الأسرى في نظرهم مجرمون وإرهابيون، تمارس عليهم مصلحة إدارة السجون كافة فصول التعذيب الجسدي والنفسي، قبل أن تحاول إسقاطهم لاحقاً».
يعاني الأطفال الأسرى من إهمال طبّي متعمّد من قِبَل سلطات الاحتلال


ويواجه الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية ظروف اعتقال لا تختلف عمّا يتعرّض له أشباههم الشباب وكبار السن، إذ يقبعون في زنازين العزل الانفرادي لمدّة تبدأ من أسبوعين وتمتدّ في بعض الأحيان لأشهر، فضلاً عن أن الاحتلال يعمد إلى تسكينهم في عنابر المعتقلين الجنائيين، بالإضافة إلى إجبارهم على التوقيع على لوائح اتهام مكتوبة باللغة العبرية التي لا يفهمونها، من دون حضور عائلاتهم أو محامي دفاع عنهم. كذلك، أقرّت مصلحة إدارة السجون جملة من القوانين العنصرية منذ عام 2015، من بينها تجريد الأطفال من إشراف كبار الأسرى عليهم، الأمر الذي وضعهم في مواجهة مع الإدارة، لكن تنفيذ الكبار مجموعة من الاحتجاجات الرافضة حال دون تطبيق مشروع القرار المذكور. وتخالف سلطات العدو، القانون الدولي، في اعتبارها أن عمر الأطفال ينتهي عند 16 عاماً، فيما تحدّد القوانين السنّ القانونية للأطفال ما دون 18 عاماً. لكن الأخطر من ممارسات التحقيق والاعتقال، هو أن الاحتلال يستغلّ الأطفال الأسرى في محاولات الإسقاط في وحل التخابر والعمالة، وذلك بعد إنهاكهم نفسياً وتهديدهم بالاعتداء عليهم جنسياً والتعرّض لسلامة عائلاتهم.
فضلاً عمّا سبق، يعاني الأطفال الأسرى من إهمال طبّي متعمّد من قِبَل سلطات الاحتلال، إذ ارتفع عدد المرضى منهم إلى 50 طفلاً، الكثير منهم مصابون بحالات تسمّم نتيجة تناول الأطعمة الفاسدة التي تقدّمها إدارة السجون. وفي العام الماضي، وثّقت مصادر حقوقية إسرائيلية انتشار حالات من هذا النوع في سجن «تلموند» نتيجة تناول الصغار معلّبات منتهية الصلاحية. ووفقاً لـ«وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية» «وفا» فقد فاق عدد الأسرى الأطفال منذ 1967 وحتى نهاية حزيران 2020 50 ألفاً، جميعهم دون سنّ الـ18 عاماً. وتستند إسرائيل، في ممارساتها تلك إلى الأمر العسكري رقم 1500 الذي يعطي الجيش الحق في اعتقال أيّ مواطن فلسطيني، بصرف النظر عن عمره، مدّة 18 يوماً، من دون عرضه على المحاكمة، مع حرمانه من مقابلة محاميه أو واحد من عائلته، علماً أن المدّة المذكورة، وفق الأمر العسكري، قابلة للتجديد والمضاعفة. كذلك، يسمح الأمر رقم 101 بحبس أيّ مواطن لمدّة أقصاها عشر سنوات، إذا ما ثبتت مشاركته في تجمّع يضمّ عشرة أشخاص أو أكثر، تعتبره إسرائيل سياسياً، أو حتى المشاركة في توزيع ونشر مواد إعلامية محرّضة.