تونس | يعمّق قرار الرئيس قيس سعيد تمديد إجراءاته الاستثنائية، مخاوف خصومه من استفراده بكلّ السلطات والقرارات، بما يهدّد البلاد من وجهة نظر البعض بـ"ديكتاتورية ناشئة". ويعود هذا المصطلح إلى رئيس حكومة حركة "النهضة" حمادي الجبالي، الذي أراد تبشير التونسيين، في خطاب عام 2012، بـ"ديمقراطية ناشئة"، فأخطأ مستخدماً نقيضها، ليذهب ذلك مثلاً في الوسط السياسي عن "ديكتاتورية الإخوان". يلفت خصوم الرئيس إلى أنه بعد شهر كامل من قرارات 25 تموز، لم يتمّ تعيين رئيس حكومة، فيما اكتُفي بإقالة عدد من الوزراء والمحافظين وتعيين "مكلّفين" لتسيير بعض الوزارات الكبرى ذات الثقل مِن مِثل الداخلية والتجارة وتكنولوجيا الاتصال، توازياً مع مواصلة سعيد زياراته الفجائية لبعض المؤسّسات، حيث يلقي كلمات يلمّح فيها إلى "المتآمرين" الذين "يحملون خلفيات إسلامية"، والمحتكرين الذين يتاجرون بقوت التونسيين، بل ووصل به الأمر إلى حديثه عن مخطّط لاغتياله، وهو ما فاقم القلق على استقرار البلاد، من وجهة نظر هؤلاء.
تتّسع دائرة الأصوات المحذّرة من المسار الغامض الذي يقوده سعيد

مع ذلك، لا تزال شعبية سعيد في مسار تصاعدي؛ إذ يُظهر آخر استطلاع في هذا الشأن نيّة أكثر من 90 بالمئة من التونسيين ترشيح الرجل في الانتخابات القادمة. لكن، بقدر اتّساع التأييد الشعبي له، بقدر ما تتّسع دائرة الأصوات المحذّرة من المسار الغامض الذي يقوده في الأوساط السياسية والثقافية والنقابية والأكاديمية. وما يضاعف الهواجس لدى هؤلاء هو منْع كلّ مَن يحمل صفة رجل أعمال وجميع الناشطين السياسيين والبرلمانيين من السفر، ووضْع عدد من القضاة والنواب والوزراء رهن الإقامة الجبرية من دون أيّ إجراء قضائي، وهو ما حذّرت من تداعياته "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان"، أعرق المنظّمات الحقوقية العربية وجمعيات أخرى. حتى حركة "النهضة" لم يتمّ فتح أيّ تحقيق قضائي ضدّ أيّ من قياداتها، بل لم يتمّ تحريك القضايا النائمة في رفوف المحاكم، وأغلبها متّصلة بالفساد والإرهاب، في ما يرى فيه عدد من الناشطين والمثقّفين مؤشّراً إلى عدم جدّية الرئيس. هكذا تبدو تونس، بالنسبة إلى معارضي سعيد، أمام متاهة استثنائية لا أحد يعرف طريق الخروج منها ولا موعده، فيما يكتفي سعيد ببعض الإجراءات المهمّة بالنسبة إلى الفقراء، كتمكين الآلاف من منحة بـ300 دينار (120دولاراً) كلّ شهر، في سابقة في تاريخ دولة الاستقلال. وعليه، فالخوف، من وجهة نظر المعارضين، ليس من "ديكتاتورية ناشئة" باسم الشعب فحسب، بل من حزام شعبي يضع الرئيس في "منزلة فوق بشرية".