دمشق | على بعد أمتار قليلة من تمثال للرئيس الراحل حافظ الأسد، وسط ساحة عرنوس الشهيرة، تنتصب على سطح أحد المباني منذ يوم الأحد الماضي صورة كبيرة للدكتور حسان النوري، المرشح الثاني لرئاسة الجمهورية وفق الإعلان النهائي للمحكمة الدستورية العليا، مطلقاً شعاراً اقتصادياً لحملته الانتخابية فحواه «التعددية الاقتصادية من خلال شراكة حقيقية»، فيما كانت قناة «الإخبارية» السورية تبثّ فواصل ترويجية لبرنامج سياسي تستضيف فيه المرشح الأول ماهر حجار.مشهد يرمز إلى المتغيرات الكثيرة التي وجد المواطن السوري نفسه على تماس معها خلال السنوات الثلاث الماضية. قد تكون في نظر أطراف مختلفة مجرد إجراءات «شكلية» أو «تجميلية» تلجأ إليها السلطة السياسية لمواجهة تداعيات الأزمة القائمة حالياً، إلا أنّ ذلك لا ينال من أهميتها كمتغيرات تمهد لصناعة ثقافة جديدة ومختلفة في الشارع السوري والحياة السياسية المحلية.

فمع إعلان المحكمة الدستورية العليا أسماء المقبول ترشحهم على نحو نهائي لرئاسة الجمهورية، أخذت شوارع العاصمة دمشق والمناطق الخاضعة لسيطرة الدولة تزدحم بآلاف اللوحات الإعلانية الطرقية التي تحمل صور المرشحين الثلاثة واعلاناتهم، كما تقدّر مصادر «المؤسسة العربية للإعلان». كذلك هرعت بعض الشخصيات العامة من سياسيين وتجار وعائلات إلى نصب لوحات متفاوتة الحجم تعلن فيها تأييدها للرئيس بشار الأسد. وهذا، على ما يبدو، ما حدا بالأسد إلى محاولة قطع الطريق أمام ظاهرة «البذخ الانتخابي»، وتمنيه من الجميع عبر الصفحة الخاصة بحملته الانتخابية على شبكات التواصل الاجتماعي، توجيه «احتفالاتهم عبر الاهتمام بمن أثّرت الأزمة في سورية على قوت يومه، وقدرته على الحياة الكريمة»، مؤكداً «ضرورة أن نشعر ونحن في هذه الأجواء بمن غاب عنهم محبّوهم، بسبب هذه الحرب، سواء أكانوا شهداء أم مفقودين أم مخطوفين».
يحاول الإعلام الحكومي ضبط تغطيته ليبدو أقرب إلى «الحيادية»


حضور خجول للأزمة

وفي الوقت الذي اكتفى فيه الأسد بشعار لحملته الانتخابية من كلمة واحدة «سوا»، كتبت بخط اليد وباللون الأخضر لتحل مكان النجمتين في العلم السوري مع توقيع للأسد أو بجانب صورة حديثة له بدا فيها متفائلاً، اتجه المرشحان حجار والنوري إلى اعتماد الأسلوب التقليدي القائم على طرح شعارات ووعود انتخابية تنشر على نحو مستقل أو بجانب صور للمرشحين. وقد تمحور معظمها لدى النوري حول الشأن الاقتصادي والإداري بحكم اختصاصه وخبرته من قبيل «المساءلة والشفافية»، «محاربة الفساد للنهوض بالمجتمع» و«إعادة الطبقة المتوسطة» و«الاقتصاد الحر الذكي» وغيرها، فيما اهتم حجار بالبعد السياسي والاجتماعي فكانت شعاراته على شاكلة «سورية لفلسطين» و«إرادة الشعوب أقوى من إرادة القطب الواحد» و«من مات في سبيل قضية نبيلة... شهيد»، و«التغيير ضرورة» و«سورية علمانية» وغيرها، مع ملاحظة غياب شبه كامل لمفردات الأزمة وسبل معالجتها ومستقبلها عن برامج المرشحين وحملاتهما الإعلانية.
وعلى خلاف فضائيتي «الدنيا» و«سما» الخاصتين، اللتين تقومان ببث أغان مؤيدة للمرشح الأسد وصور لأنشطة قام بها خلال الفترة الماضية مع حضور إعلاني محدود للمرشحين الآخرين، تحاول وسائل الإعلام الحكومية ضبط تغطيتها للانتخابات لتبدو أقرب إلى «الحيادية» بين المرشحين وفق ما حدد لها، وربما هذا ما يفسر تخصيصها أولى مقابلاتها التلفزيونية للمرشحين المستقلين، النوري على «الفضائية السورية»، وحجار على قناة «الإخبارية»، فضلاً عن تغطيتها للتظاهرات التي تخرج مؤيدة للأسد على أنها تظاهرات «مؤيدة لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها ودعماً للجيش في مواجهته للإرهاب»، لكن، وبرأي بعض المهتمين، فإن للحيادية معايير مهنية أخرى أكثر تفصيلاً، قد لا تكون وسائل الإعلام الحكومي قادرة على التزامها بحكم حداثة التجربة.
تلك الحيادية التي يسعى الإعلام الحكومي لصناعتها انسجاماً مع القانون والدستور، كما يؤكد القائمون عليه، تفقد بريقها مع السطوة المخيفة لوسائل الإعلام الجديدة في حياة السوريين، التي تعمقت أكثر خلال سنوات الأزمة. وهو ما جعل المرشحين يتجهون لاستغلالها في الترويج لأفكارهم وبرامجهم الانتخابية، فالمشرفون على الحملة الانتخابية للمرشح الأسد أعلنوا، منذ صباح يوم الأحد الماضي، تأسيس حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي تحت عنوان «سوا»، بدأت بنشر صور لمحطات رئيسية في حياة الأسد منذ الصغر، وكذلك فعل المرشحان الحجار والنوري، اللذان حولا حساباتهما على شبكات التواصل الاجتماعي إلى منبر خاص للتواصل مع متصفحي الشبكة العنكبوتية ونشر أفكارهما وبرامجهما الانتخابية. فمثلاً، تساءل المرشح النوري عن سبب عدم تمكن الجيش من القضاء على بضعة باصات من المسلحين (قاصداً بذلك المسلحين الخارجين من حمص القديمة)، وفي «بوست» آخر، طالب وزارة الخارجية باستدعاء السفير الإيراني «للاستفهام» منه عما صرح به الناطق الرسمي لـ«داعش» أبو العدناني الشامي، الذي اتهم أخيراً إيران بدعم «القاعدة» وتسليحها. أما حجار، فتمنى على صفحته «من المسؤولين في الحكومة أن يكونوا على قدر المسؤولية والتدخل السريع والعاجل» لحل مشكلة قطع المياه عن حلب، فـ«الأمر لم يعد يحتمل التأخير»، لكن الزائر لتلك الصفحات يلاحظ بوضوح التعليقات الحادة الموجهة للمرشحين حجار والنوري، التي وصلت أحياناً إلى حدّ الشتيمة دون أي ردّ مباشر من قبل المرشحين.
وحتى موعد «الصمت الانتخابي» نهاية اليوم الأول من شهر حزيران المقبل، يتوقع أن تكتسب الحملات الانتخابية زخماً أكبر، ولا سيما مع دخول الأحزاب السياسية والفعاليات الأهلية والاقتصادية على خط تأييد المرشحين وانتشار حملات المرشحين في المحافظات الآمنة من جهة، واتضاح ملامح البرامج والأفكار الانتخابية للمرشحين حول القضايا الرئيسية التي تشغل اهتمام المواطنين، سواء تلك المتعلقة بمستقبل الأزمة ومسارها ومرحلة إعادة الإعمار، أو الوضع الأمني وما رافقه من ظواهر خطيرة، أو الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.