دمشق | على رغم أن تكليف المهندس حسين عرنوس بتشكيل الحكومة مرّة ثانية اعتُبر «تمهيداً» لاحتفاظ غالبية وزراء الحكومة السابقة بحقائبهم، إلّا أن إعلان الأسماء الوزارية بشكل رسمي لم يمرّ مرور الكرام، بل نال حصّته من الجدل والأخذ والردّ فور صدور مرسوم التشكيل. فالأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها السوريون اليوم، وخاصة في ما يتعلّق بالكهرباء وارتفاع أسعار المواد الأساسية، جعلتهم يأملون حدوث مفاجآت عبر أسماء جديدة، قد تحمل معها بوادر تحسّن، ولو بإدارة ما هو موجود بطريقة مختلفة تنعكس نتائجها على الشارع، خاصة أن فترة التشكيل التي استغرقت عشرة أيام (من 1 آب وحتى العاشر منه)، جعلت البعض يستبعد إعادة تكليف الأسماء نفسها، على اعتبار أن خلاف ذلك لا يحتاج إلى كلّ تلك الفترة.التغيير الطفيف في الحكومة الوليدة، التي شبّهها الكثير من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بـ«أسئلة دورات مكرّرة»، حمل ثلاثة أسماء جديدة فقط، أهمّها المهندس عمرو سالم (وزير اتصالات سابق)، الذي كُلّف بحقيبة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بدلاً من الوزير ومحافظ حمص السابق طلال برازي، الذي سرت إشاعة سابقاً عن أنه سيُكلّف برئاسة الحكومة. وكان الوزير سالم قدّم نفسه، في السنوات الأخيرة، كمتابع لكلّ الأوضاع في سوريا، محاوِلاً طرح حلول لكثير من المشاكل عبر صفحته الشخصية على «فيس بوك»، ليلاقي توزيره ارتياحاً من قسم غير قليل من المواطنين، في مقابل قلقِ قسمٍ آخر بسبب طرحه أكثر من مرّة فكرة إلغاء الدعم الحكومي واستبدال مبالغ نقدية به. ويقول الناشط في الشأن العام، بشار يوسف: «أنا متابع دائم لصفحة الدكتور عمرو، الرجل يقوم بنشر مواضيع تلامسنا جميعاً، ويكفي أنه مقيم في سوريا ولم يرجع إلى الولايات المتحدة التي درس وتخصّص فيها رغم المغريات، ورغم أنه يمتلك مجموعة أسهم في شركة مايكروسوفت، والدكتور عمرو لا يتحدث في صفحته الشخصية عن المشاكل فقط كما يفعل كثيرون، بل يطرح حلولاً، طبعاً لا أنكر أن تنفيذ بعضها صعب ويحتاج إلى وقت طويل، لكن على الأقلّ هو يفكّر بحلول ويطرحها». ولم يقتصر «التفاعل الإيجابي» على غير المختصّين، إذ كتبت الباحثة الاقتصادية، نسرين زريق، على صفحتها على «فيس بوك»، أنها «متفائلة بالدكتور عمرو سالم». وعند سؤالها عن سبب تفاؤلها، تقول لـ«الأخبار» إن «السبب الأول هو اتفاقي معه ببعض الأمور، أهمّها ضرورة تسييل الدعم الحكومي، أي تحويله إلى مبالغ نقدية تُعطى للناس، بدلاً من دعم مواد لا يستطيع الكثيرون الحصول عليها لعدّة أسباب. أمّا السبب الثاني، فهو تقبّله للأفكار الأخرى ومناقشته لها حتى لو كانت تختلف تماماً مع طروحاته»، وتتمنّى زريق أن «يُمنح سالم الصلاحيات الكافية للعمل، لأن مجموعة من القرارات التي يستطيع اتخاذها، قادرة على التخفيف من الاختناق الذي تعاني منه الطبقة الوسطى».
احتفاظ الغالبية العظمى من الوزراء بحقائبهم سببه الأساسي عدم وجود مشاريع جديدة.


أمّا التغيير الثاني، فكان في حقيبة الإعلام، التي ظلّ الإعلاميون السوريون يؤكدون في أحاديثهم اليومية، حتى صباح يوم التغيير الحكومي، أن الوزير السابق عماد سارة سيحتفظ بها، لتأتي المفاجأة بأن سارة كان من القلّة الذين تمّ تغييرهم. إذ استُبدل به مدرّس مادّة «العلاقات العامة والإعلان» في كلية الإعلام (التي تولّى سابقاً منصب عمادتها بين 2013 و2017)، نائب رئيس جامعة دمشق للشؤون العلمية بطرس حلاق، الذي ولّدت تسميته انقساماً واضحاً بين الإعلاميين السوريين، سرعان ما انعكس نزالاً افتراضياً بين فرحٍ شامتٍ، ومدافعٍ حزين. والحقيبة الثالثة التي طالها التغيير، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي لا تقلّ أهمّية عن سابقتَيها، وذلك لمسؤوليتها المباشرة عن عمل الجمعيات والمنظّمات التي ازدادت بكثرة في سوريا بعد الحرب، وكلّ ما يتعلق بها من مشاريع ومعونات وخطط. واستُبدل بالوزيرة السابقة، سلوى العبد الله، التي كانت تشغل هذه الحقيبة، محمد سيف الدين، الذي شغل سابقاً منصب معاون وزير الأشغال العامة والإسكان للشؤون الإدارية والقانونية، ثمّ منصب مدير الشؤون الاجتماعية في الوزارة ذاتها. كما حصل كلّ من المرشح الرئاسي لانتخابات 2021 عبد الله سلوم عبد الله (عضو مجلس شعب سابق، وشغل لفترة منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب)، والدكتورة ديالا بركات (عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي ومعاون مدير عام الآثار سابقاً) على حقيبتَي دولة لم تحدَّدا بعد.
ويعزو نائب رئيس «اتحاد الصحافيين السوريين»، مصطفى المقداد، في حديث إلى «الأخبار»، فقر التغيير الوزاري إلى «عدم وجود مشاريع جديدة بالنسبة للوزارات التي تمّ الإبقاء على وزرائها، فعقلية الرئيس الأسد في ما يخصّ التغيير لا تتعلّق بالأشخاص، بل بوجود برامج جديدة». مع ذلك، يرى المقداد أن ثمّة تغييراً مهمّاً متمثّلاً في تسليم حقيبة التجارة الداخلية وحماية المستهلك للوزير عمرو سالم، والذي قام فور تسلّمه مهامه، بالإعلان عبر «فيس بوك» عن شيء من رؤيته القادمة لعمل الوزارة، والتي تتركّز على تحسين المستوى المعيشي للمواطن، ومحاولة الحفاظ على مصالح الجميع. ويلفت المقداد إلى أنّ «أمام الحكومة الجديدة القديمة تحدّيات كبيرة، فهناك سلسلة من العقبات الناجمة في الأصل عن تبعات الإرهاب، وهناك وضع اقتصادي متردٍّ، ونقص في مختلف المواد الأساسية، وحالة غلاء كبيرة ووضع بائس للمواطن بشكل عام، إضافة إلى الارتفاع الكبير في سعر الصرف، وانخفاض المعاشات والأجور رغم الزيادات المتلاحقة التي لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة الناس». ويضيف أن «هناك تحدّياً كبيراً آخر أمام الحكومة، ألا وهو الانفلاش الإداري والرقابي بشكل أساسي، وعدم المقدرة على ضبط السوق السوداء لمختلف المواد الأساسية (خبز – غاز – بنزين - مازوت)، إضافة إلى تحكّم أصحاب شركات النقل والسائقين بأجور النقل، الأمر الذي يزيد من صعوبة الحياة بالنسبة للمواطن»، مشدداً على «ضرورة أن يكون الهمّ الأكبر بالنسبة للحكومة هو تحسين الوضع المعيشي بالإمكانيات الموجودة».