طرابلس | لا يزال التوافق على القاعدة الدستورية التي سيتمّ على أساسها إجراء الانتخابات الليبية في 24 كانون الأول المقبل، متعثّراً، وذلك بفعل استمرار الخلافات بين أعضاء «ملتقى الحوار السياسي» - الموكلة إليه هذه المهمّة - والتي وصلت إلى درجة تبادل الاتهامات بـ«الخيانة». إزاء ذلك، يسعى البرلمان إلى انتزاع تلك الصلاحية من «الملتقى» باعتباره ممثّلاً معترَفاً به من البعثة الأممية التي يبدو أنها لن ترفض التعامل معه، خصوصاً في ظلّ تمسّكها بإجراء الانتخابات في موعدها. وفيما انتهت اللجنة البرلمانية المعنيّة بالأمر بالفعل من وضع التصوّر خلال الأيام الماضية من دون أن تُفصح عنه، يبدو أن البعثة تتّجه إلى منْح «الملتقى» فرصة تكاد تكون الأخيرة لإقرار شكل النظام السياسي بناءً على المقترحات الأربعة للقاعدة الدستورية للانتخابات، والتي جرى التوافق عليها - بالتصويت المباشر - في الاجتماعات المنفردة والجماعية التي عُقدت على مدار شهر تموز، واختُتمت منتصف الأسبوع الجاري.وبحسب القرار الأممي، فإن المقترحات الأربعة سيتمّ التصويت عليها في جولتين، على أساس حصول المقترح في الجولة الأولى على حدّ أدنى من الأصوات بالغ 61%، كي ينتقل إلى الجولة الثانية التي سيقتصر فيها التصويت على المقترحَين اللذين نالا النسبة الأعلى، ليفوز منهما ذلك الذي يحوز 50%+ 1، في ما يمثّل اعتماداً غير مسبوق للتصويت بالأغلبية المطلقة، بعدما كان الميل سابقاً إلى أغلبية الثلثين في التصويت على القرارات المصيرية. وعلى رغم محاولة البعثة تجنّب المشاكل التي سادت الاجتماعات السابقة لناحية محاولة التأثير على الاتّجاهات التصويتية للأعضاء (سيتمّ اعتماد الشكل الافتراضي لتجنّب ذلك)، إلّا أن ثمّة مخاوف من احتمال عدم الوصول إلى نسبة 61% في الجولة الأولى. مع هذا، يتواصل الرهان الأممي على أن إجراء العملية بشكل افتراضي، وضيق الفارق الزمني بين إجراءات التصويت، سيدفع نحو إقرار القاعدة تمهيداً لإرسالها إلى المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة. وفي انتظار يوم الـ11 آب الذي سيشهد انعقاد الجلسة بعد وقت قصير من توزيع جدول أعمالها، تستمرّ الاتصالات بين أعضاء «الملتقى» لمناقشة المقترحات وتحديد مواقفهم منها.
تابعت «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات» خلال الأسابيع الماضية استعداداتها للعملية الانتخابية


في هذا الوقت، وعلى رغم المخاطر المحدقة بمسار الانتخابات، تابعت «المفوضية الوطنية العليا للانتخابات»، خلال الأسابيع الماضية، استعداداتها للعملية، بفتحها باب التسجيل أمام المواطنين مبكراً، ومن ثمّ أمام الموجودين في الخارج (اعتباراً من 17 آب، ولمدّة 30 يوماً)، الذين سيُسمح لهم بالتصويت عبر البعثات الدبلوماسية في الخارج. وتتلقّى المفوضية التي صُرفت لها مخصّصاتها المالية دعماً كبيراً من أطراف عدّة، في مقدّمتها البعثة الأممية ومجلس النواب، بالإضافة إلى عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي وفّرت مساعدات تقنية لأعضاء المفوضية، في وقت يتلقّى فيه هؤلاء تدريبات مكثّفة ومساعدات فنّية للتغلّب على المشاكل التقنية التي تظهر بين الحين والآخر. واستقبلت المفوضية، في الفترة الفائتة، أكثر من 2.7 مليون مواطن سجّلوا بالفعل في قاعدة بيانات الناخبين، الذين يُعمل حالياً على تنقية جداولهم، بما لا يسمح بوقوع عمليات تلاعب، خاصة في ظلّ وجود جوازات سفر وبطاقات هوية مع أشخاص ليسوا ليبيين، وإنما جرى تجنيسهم أثناء الحرب. وعليه، يبقى التحدّي الرئيس أمام المفوضية، في حال الاستقرار على القاعدة الدستورية، آلية التطبيق في ما يتعلّق بفرز الأصوات والإشراف الدولي على العملية الانتخابية. كذلك، ثمّة إشكالية مرتبطة ببعض الأسماء المطروحة للترشّح، والتي يسعى جزء من «الملتقى» إلى إقصائها، وعلى رأسها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، فضلاً عن سيف الإسلام القذافي، المدعوم من أطراف داخلية عديدة، وأيضاً من بعض دول الجوار التي ترحّب بعودته على رغم كونه مطلوباً أمام «المحكمة الجنائية الدولية»، فيما يتعهّد أنصاره بتسوية وضعه القانوني لخوض الانتخابات.
على أيّ حال، يبدو أن ثمّة عملاً حثيثاً على مسار العملية الانتخابية من الأطراف كافة، وهو ما لا ينفصل عن الاستقرار النسبي في الأوضاع السياسية والأمنية، خاصة بعد فتح الطريق الساحلي بشكل كامل ونهائي، بقرارات من اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، في خطوة تأخّرت كثيراً وكان يفترض أن تتمّ منذ بداية العام الجاري. لكن في المقابل، تتعمّق هوّة الخلاف بين الفرقاء السياسيين في شأن تسليم الميليشيات أسلحتها وانخراطها في القوى العسكرية التي تأتمر بقرارات وزارة الدفاع التي يشغلها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة. وبعدما فشل الدبيبة في الاتفاق مع حفتر على تسمية وزير للدفاع، يحاول اليوم دفع اللجنة العسكرية إلى الاتفاق على آلية تضمن من وجهة نظر طرفَيها تحقيق الأمن والاستقرار، وفي الوقت نفسه البدء بتوحيد المؤسّسة العسكرية، والذي لم يوضع جدول زمني له بعد، علماً أن حفتر يفضّل مناقشته مع السلطة المنتخَبة وليس الحكومة الحالية.