ترقى سلسلة الإجراءات التي اتّخذها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ضدّ المؤسسة الوهابية، إلى أن تكون إعادة صياغة للاتفاق بين الأسرة الحاكمة وتلك المؤسّسة، والذي تأسّست عليه المملكة. ويستهدف ابن سلمان، بهذا التوجّه، وفق ما خلص إليه تقرير حول المسألة نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، كسْب شعبيّة لدى جيل الشباب التوّاق إلى الانعتاق من السلطة الدينية، والأهمّ من ذلك، مزيداً من تركيز السلطة في يده، في إطار استعداده لترتيب خلافته العرش عند وفاة الملك سلمان. ويَظهر تقليم أظافر السلطة الدينية بوضوح أكبر في نطاق عمل وزارات العدل والشؤون الإسلامية والتربية، حيث تخندقت المؤسّسة الدينية، ولعبت لعقود طويلة دوراً تقريرياً في تحديد شكل السعودية، من خلال الفتاوى والتعاليم التي تحكم حياة السعوديين، بل تتعدّى حدود المملكة إلى دول أخرى، تسيطر الرياض على المؤسسات الدينية فيها.وأظهر رجال الدين المتشدّدون بعض المقاومة لإجراءات ولي العهد. فعندما أمرت الحكومة بخفض صوت الأذان الذي يُبثّ خمس مرّات في اليوم عبر مكبّرات الصوت في المساجد، ووقْف بث صوت الصلاة إلى خارج المساجد، تصدّر وسم «صوت الأذان مطلب شعبي» التغريد على «تويتر» في المملكة. وكتب الشيخ عمر عبد الله السعدون، في مقال على الإنترنت، عن مطالبة الكثير من السعوديين بإلغاء القرار، محذّراً من مخاطره، قائلاً إن ذلك قد يدفع الناس إلى خرق إجراءات «كورونا»، والتوجّه إلى المساجد للصلاة، فتمّ اعتقاله. ووصف وزير الشؤون الإسلامية، عبد اللطيف آل الشيخ، منتقدي القرار بأنهم «أعداء المملكة الذين يريدون إثارة الرأي العام، وبثّ الشكوك في قرارات الحكومة، وإضعاف اللحمة الوطنية». ممارسة ابن سلمان هذه باتت نمطية، حيث يتمّ إدخال تغييرات «ليبرالية»، وإنما بأسلوب تسلّطي. فمنذ تولّيه منصب ولي العهد في 2017، عمد ابن سلمان إلى اعتقال الكثير من رجال الدين الذين لم يستجيبوا لأوامره. كما جرت في كانون الأول الماضي إقالة عدد من خطباء المساجد الذين رفضوا إلقاء خطب تهاجم جماعة «الإخوان المسلمين»، من دون أن يكونوا بالضرورة من المتعاطفين مع الجماعة.