حمص | لا يوم كيوم أبناء حمص القديمة. اكتظّت أحياؤها أمس بعد شهور طويلة بدت فيها كمدينة أشباح، لا تتسع سوى لمئات المقاتلين الغرباء.
لون المباني اتّشح بالسواد. أحد ضباط الجيش المنتشرين في حيّ الحميدية قال: «لقد أحرق المسلحون مقارّهم قبل الخروج. وجدنا معظم الآليات والأسلحة متفحّمة». «ثوار» المدينة تصرّفوا بحنكة «القادة المخضرمين» قبل خروجهم... أحرقوا مقارّهم وأوراقهم بهدف عدم معرفة نوعية نشاطاتهم وأعمالهم السابقة.
محافظ حمص، طلال البرازي، أعلن خروج آخر مقاتلي المعارضة من المدينة القديمة بموجب الاتفاق بين الحكومة والمسلحين. 2183 شخصاً، بين المسلحين وعائلاتهم غادروا منذ يوم الأربعاء نحو ريف المدينة الشمالي.
إذاً هو بداية عصر جديد من تاريخ المدينة القديمة، بعدما دخل الجيش السوري آخر الأحياء الخارجة عن سيطرة الدولة. جدران المدينة بدت كدفاتر لهواجس مسلحيها. «نريد فتح ممر آمن للعائلات»، «طلب» مكتوب على أحد الجدران. «عام على الحصار... ما خاب من على درب الجهاد سار»، عبارة أُخرى تشرح نكسات «الجهاديين» ودرب خيباتهم المتكررة.
تقف زينات الأخرس على باب منزلها تستقبل وفود المهنئين لها بالسلامة. تتبادل التحيات مع جيرانها الزائرين، فيما ترتجف يداها. يشير جسدها النحيل إلى أيام الجوع التي مرّت على حيّ الحميدية. اقتصرت تحركات الطبيبة، خلال الشهور الماضية، على زيارة كنيسة أم الزنار القريبة، بعد حرق صيدليتها في الشارع الخلفي.
«700 يوم من الصمود داخل حيّي ومنزلي»، تقول لـ«الأخبار». وتضيف: «منذ كانون الأول ساءت الأمور كثيراً من حولنا، واقتصر طعامنا على المؤن والنشويات والحبوب، وأصبحنا لا نخرج من بيوتنا إلا في ما ندر». تتحدث إلى أحد الضباط قائلة: «نحن أيضاً قاومنا وصمدنا في الداخل، لأننا لم نرد ترك منزلنا للغرباء». ترتجف الطبيبة وهي تتحدث عن شقيقها أنس، الذي توفي خلال الحصار. تذكر اسمه لزوّارها ولعناصر الجيش كأنه معروف من قبل الجميع. الرجفة تتواصل حين تذكر الأب فرانس فان در لوخت، الذي قتله المسلحون منذ شهرين في دير الآباء اليسوعيين في شارع بستان الديوان. «كل ما استطعنا فعله هو زيارة ضريحه والصلاة لراحة نفسه»، تقول المرأة الخمسينية بأسى.
آلاف المدنيين تقاطروا إلى المدينة القديمة، بعدما سمح الجيش السوري للأهالي بتفقّد أملاكهم. الحمصيون لم يأبهوا بالعبوات الناسفة أو الألغام التي أودت بحياة جنديين صباح أمس.
مشهد جديد من فصول «التغريبة السورية» ظهر أمس. حمل كل «داخل» بضعة أغراض من منزله، وعاد إلى مكان لجوئه مصحوباً بمشاهد الدمار التي حلّت بمدينته.
الدمار الشديد اقترن بآثار الحرائق الحديثة. من «السوق المسقوف» المهدّم والمغلق مدخله بسيارة متفحمة، إلى كنيسة أم الزنار المحترقة حديثاً والكنيسة القديمة. في ساحة الكنيسة الأخيرة تجمّع بعض الأهالي. معظمهم لم يستطع اخفاء دموعه. إحدى النساء حملت من منزلها المجاور للكنيسة صليباً وألبوم صور فقط، فيما حملت جارتها كيساً يحوي بضعة تذكارات. امرأة أخرى أتت برضيعها لتفقد منزلها.
رزان، بدورها، حملت أغراضا من «جهاز عرسها» خشية فقدانها. تشير بعلامة النصر بأصابعها قائلة: «هذه المرة أخرج وأنا متأكدة أنني عائدة قريباً». معظم النساء استعنّ بعربات أطفال من بيوتهن لجرّ ما أردن نقله من منازلهن، على نحو مؤقت. لا تخيّب ورش صيانة الكهرباء توقعات رزان. بدأ العمال، منذ أمس، بإعادة التيار الكهربائي إلى جميع الشوارع والمباني التي ما زالت صالحة للسكن. في وقت شُغل فيه ضباط في الجيش بخارطة يحملونها تشرح أماكن المقابر الجماعية التي خلّفها المسلحون. مقابر «افتتحها» هؤلاء لدفن المخطوفين القتلى.




دخول المساعدات إلى نبّل والزهراء

باسل ديوب
دخلت أخيراً قافلة المساعدات أمس إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب الشمالي، ضمن الاتفاق الذي أبرم بين الجيش السوري والجماعات المسلحة في حمص القديمة، بعد خروج آخر المسلحين المعارضين منها.

وبعد وصول القافلة التي سارت برفقة موظفي الأمم المتحدة ومتطوعي الهلال الأحمر، خرج أهالي البلدتين في تظاهرة احتجاجية ضد «استمرار العصابات الإرهابية في خطف عشرات النساء والأطفال من البلدتين»، مطالبين بالافراج عنهم. وفي حديث مع «الأخبار»، قال رئيس بلدية نبّل، علي بلوي، إنّ «اثنتي عشرة شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية والأدوية وحليب الأطفال والبطانيات وصلت مناصفة إلى بلدتي نبل والزهراء». ميدانياً، تركزت معارك الجيش والمسلحين شمال شرقي حلب في محور البريج ــ المدينة الصناعية، فيما أحبطت وحدات من الجيش محاولة تسلّل للمسلحين باتجاه معمل الإسمنت جنوب الشيخ سعيد ومنطقة الزهراء. في المقابل، سقطت قذائف صاروخية عدة على شارع بارون ومنطقة «بستان كل آب» في الوسط التجاري، وأوقعت قتيلاً وسبعة جرحى من المدنيين.