بغداد | ترتفع وتيرة التصعيد يوماً تلوَ آخر ضدّ المصالح الأميركية في العراق، في الوقت الذي تستعدّ حكومة مصطفى الكاظمي لخوض الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي، التي ستبحث انسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال الأميركي، بدلاً من جدولة الانسحاب، كما اتُّفق عليه في الجولة الثالثة التي انعقدت في نيسان الماضي. هذا التحوّل في الموقف العراقي جاء على خلفية تبادل القصف بين الأميركيين وفصائل المقاومة، والذي بدأ منذ منتصف حزيران الماضي وصولاً إلى الـ28 منه، حين استهدفت غارة أميركية معسكراً تابعاً لقوات «الحشد الشعبي» على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق. صحيح أن وزارة الدفاع الأميركية أرجعت استهداف المعسكر إلى «استخدامه من قِبَل الفصائل العراقية في ضرب قواعدها الموجودة في سوريا»، لكن ثمة فريقاً سياسياً يعتبر أن ما يجري ما هو إلّا مناوشات بين طهران وواشنطن، تسبق التوقيع الوشيك للجانبين على الاتفاق النووي بنسخته المحدّثة.إزاء ما سبق، يفيد مصدر سياسي مطلع، «الأخبار»، بأن غارات الاحتلال الأميركي تأتي لحفظ ماء وجه واشنطن، خصوصاً بعد الهجمات المتكرّرة التي أربكت حسابات إدارة جو بايدن في المنطقة، فضلاً عن الخسائر الأمنية والعسكرية التي مُنيت بها هذه الأخيرة. وفي حزيران الماضي، خصَّص البيت الأبيض مكافأة تصل إلى ثلاثة ملايين دولار لمَن يُدلي بمعلومات عن الهجمات التي تستهدف المنشآت الدبلوماسية الأميركية في العراق. ويعتبر المصدر أن الغاية من استمرار الأميركيين في التصعيد هي جرّ الفصائل العراقية إلى حربٍ شاملة داخل بغداد، ومن ثم مناطق جنوب العراق، لإثارة الفوضى في الداخل. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ تسلُّم بايدن الرئاسة في بداية العام الجاري، استهدفت أغلب عمليات القصف الأميركي الفصائل الموجودة في سوريا أو على الشريط الحدودي، وهو ما يفسّر أهمية تلك المنطقة بالنسبة إلى واشنطن، خصوصاً أنها تمثّل الخاصرة الرخوة التي يستغلها تنظيم «داعش» لاستعادة نشاطه. وقد تدفع فصائل المقاومة العراقية، التي شنَّت نحو 12 هجوماً على المصالح الأميركية في العراق، منذ الغارة ما قبل الأخيرة في شباط الماضي، «التحالف الدولي» إلى الدخول على خطّ المواجهة، عبر تكثيف عملياته العسكرية وطلعاته الجوية، بحجّة قصف أوكار «داعش»، وهو الأمر الذي سيمثّل ورقة ضغط إضافية على الحكومة العراقية لحسم مصير تلك القوات، بعد انتفاء الحاجة إليها عقب دحر التنظيم.
إذا واصلت أميركا خرقها للسيادة العراقية فإن فصائل المقاومة قد تدرس هجوماً آخر على الحدود مع سوريا


وسط هذا الجدل، برز تحول في موقف «تحالف الفتح»، بزعامة هادي العامري، لناحية مطالبه من الحكومة في شأن القوات الأميركية، إذ اشترط على فريق رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، أن يكون الانسحاب شاملاً لتجنيب العراق السقوط في مطبّات أمنية قد تنعكس على المنطقة كلها. وتفيد المعلومات بأن التفاهمات المشتركة بين بغداد وواشنطن كانت تتضمّن تخفيف التصعيد مع الفصائل لغاية إجراء الانتخابات المبكرة، وهو ما أكده الكاظمي حين قال إنه طلب من الأميركيين والإيرانيين «الابتعاد عن تصفية حساباتهم في العراق»، واختيار طريق الحوار السياسي لحلّ الخلافات وقطف ثمار تهدئة من شأنها أن ترسم خريطة طريق يسلّم فيها الجميع، لكن خرق الطيران الأميركي لهذه التفاهمات عاد بالأوضاع إلى نقطة الصفر. في الموازاة، يلفت مصدر أمني، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن تصاعد هجمات الفصائل ضدّ الأميركيين قد يدفع إدارة البيت الأبيض إلى قبول الشروط العراقية، وهي الانسحاب من بلاد الرافدين، شريطة إبقاء عددٍ من هذه القوات تحت مظلّة «التحالف الدولي»، وهو ما ترفضه الفصائل عموماً، كون البلاد لم تعد بحاجة إلى التحالف من الأساس. وفي حال واصلت الولايات المتحدة خرق السيادة العراقية، فإن بعض فصائل المقاومة قد تدرس خيار توجيه هجوم آخر على الشريط الحدودي، حيث توجد القوات الأميركية على مقربة من الأراضي السورية. أما الفريق الأميركي الذي يستعدّ لخوض الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي، فيبدو أنه سيحمل رسالة عتب إلى الكاظمي الذي حاول، منذ توليه منصبه، احتواء الفصائل وإبعاد العراق عن أجواء الصراع الأميركي - الإيراني.