القاهرة | أولويات المشير عبد الفتاح السيسي كانت واضحة في حديثه يوم أمس، في خلال المقابلة مع الزميلين لميس الحديدي وإبراهيم عيسى: الدين والتنمية. في الأول، كان واضحاً أنه يرفض كل ممارسة يعتقد أنها «تقدم الله بصورة خاطئة للشعب». رأى أن أربع مؤسسات لها دور أساسي في هذا الإطار: العائلة والمدرسة والجامع والإعلام.
في النهاية، إن الفكر الذي تحمله جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات العنفية والتكفيرية هو «فكر غير قابل للحياة». أما في الشق الثاني، التنمية، فللمشير السيسي نظرية جديدة، محورها استخدام مساحة مصر كاملة عبر إعادة توزيع السكان والقطاعات عليها وعدم الاكتفاء بالـ٧ في المئة المشغولة حالياً.
وأوضح السيسي أن صمته طوال الفترة الماضية كان اختياراً مدروساً له لاستعادة هيبة الدولة، بعد أن وضع المصريون استحقاقات المرحلة الانتقالية عقب 30 يونيو ، لافتاً الى أن «استعداء بسطاء المصريين لترسيخ مبادئ العدالة كان رهاناً واضحاً لقياس تجاوبهم مع الاوضاع».
وفي رد على سؤال عمّا إذا كان مرشح المؤسسة العسكرية، قال إنها «منضبطة ولها قواعد وثقافة واضحة، والجميع يتعامل تحت مظلتها، بغض النظر عن الوظائف والرتب العسكرية، وكان يجب أن أخطر قادة المجلس العسكري، ولا أستأذن منهم، لأن طبيعة عمل القائد العام داخل المؤسسة لا تستوجب منه الاستئذان من القيادات، لكن طبيعة عمل الوزارة تلزم بضرورة إعلام قادة القوات المسلحة بقرار وزير الدفاع».
استدعى المشير جملة أوردها قالها أعضاء المجلس العسكري أثناء قيامه بإخبارهم بموقفه من الترشح فقالوا «إذا كنا نحبك فنحن دائماً سنحبك، وإذا كنا نحب الوطن فعلينا جميعاً قبول ترشحك، لأنه لا خيار أمامنا غير ذلك». وأضاف أنه «لم يقم بمشاورة أي جهة داخلية أو خارجية قبل الترشح لأنني، كما قلت سابقاً، لم أتآمر أو أتشاور مع أحد».
السيسي أوضح أن الشخصية العسكرية تكسبه مهارات مختلفة لتضاف الى خبرته، وعمله في وظيفة رئيس جهاز المخابرات الحربية يضيف الى شخصيته ولا يعرقل أبداً عمله كرئيس للجمهورية. وقال «في النهاية أنا مصري مسلم أحب بلدي وديني والناس، ولدت في مكان يتمتع بتنوع إنساني وحضاري رهيب، وبحكم مكان نشأتي شاهدت كثيراً الكنيسة في شارع بورسعيد والمعبد اليهودي في حارة اليهود، ولم نعلق يوماً على ديانة الآخرين، وهذا طبيعة كل المصريين».
وشدد السيسي على أنه «أفقدنا الاسلام شكله أمام العالم، وأسأنا تقديم الله سبحانه وتعالى للآخرين». واستطرد قائلاً «لا يجب أن يكون الحاكم داعية، لكن يجب أن يحكم بما يرضي الله وضميره الاإنساني». وقال «الاسلام لم تظهر عنه دولة دينية بل ظهرت عنه دولة مدنية، وهنا علينا أن نعلم أن الحاكم يتعامل مع الواقع بغض النظر عن طبيعته، وما يحدث الآن إساءة بالغة للإسلام والمسلمين». وأضاف أن «إسلام الدولة مغاير لإسلام الفرد، لأن المجمتع يحوي داخله أطيافاً مدنية وأخرى غير متدينة وآخرين يدينون بديانات أخرى، وعلينا أن نواكب الخطاب الديني للواقع الذي نعيشه، لأن المجتمع لا يمكن أن يسير بمنطق الشوكة والسكينة».
وكشف السيسي عن أن «البناء الفكري للإرهابيين ألزمنا بحتمية المواجهة مع المجتمع الجاهلي، وكشف عن وجوده مع خيرت الشاطر بعد أن طلب بنفسه تحديد موعد معي، وظل 45 دقيقة يقنعني بأن نستقبل مقاتلين من سوريا وأفغانستان وليبيا ليقاتلوا المصريين في بلادهم، وهذه كانت تهديدات وتحذيرات واضحة، وتخيّل أنني من الشخصيات التي تخشى». وأضاف «جاوبته بجملة: من يرد ترويع المواطنين سنزيحه من على وش الأرض، وسنقوم بتطهير سيناء».
وعن الإنجازات التي قامت بها القوات المسلحة في سيناء، أوضح السيسي أن «القائمين على تطهيرها تخيّلوا أن عملية محاربة الارهاب الاسود ستحتاج الى سنوات لا تقل عن 9 أعوام متتالية، لكن الواقع أثبت عكس ذلك، والمعادلة الصعبة هنا كيف نضبط الموقف الامني وعدم التجاوز»، مشدداً على أن «القوات المسلحة تحافظ على هذا الضبط في المنطقة الغربية والجنوبية، لكن في سيناء الأمر يتطلب بعض الوقت نظراً لطبيعة الاوضاع هناك».
وعن دعوات المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، قال السيسي «من يصالح من؟»، خاصة أن «التجاوزات التي صدرت عن الإخوان مع المصريين بفكر مغاير لعقل المصريين الذي ارتضى القانون والدستور للسير تحت مظلته، لكن الإخوان مسخوا هذا الفكر والعقد بين المصريين واستخفوا بالقانون والدستور رغم كونه الأساس، وتعاملوا مع المصريين من وجهة نظرهم وفق الشريعة التي يريدون أن يطبقوها، لكن إذا جاء الرئيس السابق وعرض وجهة نظره في إدارة البلاد بهذه الطريقة التي طبقتها الجماعة وارتضاه المصريين لتغيرت الاوضاع تماماً».
وتابع «أنا غير مسؤول عن إنهاء جماعة الإخوان في مصر، لأن المشكلة الأساسية لهم مع الشعب المصري. المصريون أنهوا حياة هذه الجماعة في مصر، والمشكلة هنا أعمق من إرادة رئيس، لأنهم تعاملوا مع المصريين بمنطق العنف الدولي منذ 8 شهور تقريباً»، مشيراًَ الى أن «المجتمعات الغربية لها أسلوب وإعلامها يسير على هذا النهج وفقاً لمصالح هذه البلاد، وعليه نؤكد مراراً أن ما يحاك ضد البلاد إرهاب حقيقي، ولم أفكر يوماً في أن أفعل شيئاً يغضب الله سبحانه وتعالى. ولذلك، عندما قلت سأحاجج الإخوان يوم القيامة كنت أعني هذا الأمر تماماً، لأني حذرتهم مراراً من مغبة تعاملهم مع المصريين، وأيقنت أن الامر في مصر لن يستقيم في ظل وجود حالة الفوضى، وكان الأمر يتطلب آلية قانونية لوقف هذه الامور».
يشار الى أن المقابلة تم تصويرها في أحد الفنادق التابعة للقوات المسلحة، قبل يوم من إذاعتها، وقام عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الإخبار السابق ــ المسؤول عن الشق الإعلامي في حملة المشير السيسي ــ بالإشراف على مونتاج الأسئلة الخاصة بالحوار وإعداده للبث المباشر، مع قيام إدارة القناتين بالاتفاق مع رجال الاعمال لتخصيص مساحة إعلانية بين الفواصل بقيمة تصل إلى 300 ألف جنيه للإعلان الواحد، وهو الأمر الذي تسبّب في تأخير إذاعة الحوار من الاحد 4 أيار الى الاثنين 5 أيار.
ورفض المناوي بعض الأسئلة الموجهة الى السيسي، أبرزها موقفه من الإخوان بعد توليه كرسي الرئاسة، وهل يمكن أن يتدخل لوقف تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم، معللاً أن السيسي «لن يتدخل في أحكام القضاء ولا يجوز التعليق عليها احتراماً لهيبة الدولة ونزاهة القضاء المصري».