على رغم أنها السنة العاشرة التي تُقام فيها مخيّمات "طلائع التحرير" في غزة، إلّا أن تزامنها والانتصار في معركة "سيف القدس" زاد من خصوصيّتها. هذا التقليد السنوي الذي يفتح الباب أمام الفتية والشباب للاقتراب أكثر من البيئة المسلّحة، أضحى وكأنه الـ"تيرموميتر" الذي يقيس مدى الالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة، ناهيك عن أن انطلاق "فوج سيف القدس" تزامَن مع تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، ضمن محاولات تأليب الشارع على المقاومة، وتفريغ انتصارها من مضمونه. في السير إلى موقع "اليرموك" الذي شهد، السبت الماضي، انطلاق اليوم الأوّل من فعّاليات "مخيّمات طلائع التحرير" السنوية، يزدحم الطريق بالعشرات من الآباء الذين يرافقون أبناءهم، قبل أن يستقبلهم جنود ملثّمون من "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، للانخراط في فعّاليات المخيم. يقول "أبو خالد" الذي التقيناه بينما يصطحب ابنَيه إلى بوّابة "اليرموك"، إن المشاركة في "طلائع التحرير" تقليد سنوي دأب عليه منذ سنوات، وإن أبناءه الثلاثة الذين لم يتجاوز أكبرهم الثانوية العامة، انخرطوا جميعهم في النسخة الثالثة من المخيّم. وفي هذا العام، لم يعد خيار ذهابهم إلى "سيف القدس" تدفعه رغبته في ذلك، إنما مطلب للفتية أنفسهم. أمّا لِمَ؟ فيجيب في حديثه إلى "الأخبار": "الموضوع أكبر من إشغال الفراغ بما هو مفيد، هذه المخيّمات تصقل شخصية الأطفال، وتعزّز من ثقتهم بأنفسهم، وتشكّل رافداً معنوياً وثقافياً ودينياً لهم، وسط حالة فوضى الإنترنت والانفتاح التي لا نستطيع أن نعزلهم عنها كلّياً".
أضحى هذا التقليد السنوي وكأنه الـ«تيرموميتر» الذي يقيس الالتفاف الشعبي حول المقاومة


في مخيّم اليرموك الذي زارته "الأخبار"، والمُقام بالقرب من مخيّمات العودة شرق مدينة غزة، أي على مسافة مئات الأمتار من الحدود الشرقية مع الأراضي المحتلة عام 1948، يمكنك أن تلاحظ الطريقة التي تمّ تجهيز الموقع بها، ليبدو مماثلاً للمواقع العسكرية لجهة وسائل التدريب ومواقع الرماية، والتي أُعدّت خصيصاً لتُناسب الفتية. هناك، يقدّم طاقم التدريب المتخصّص في التعامل مع الفئة المستهدفة، معلومات وافية عن استخدام عدد من أنواع الأسلحة، إلى جانب المحاضرات الدينية والثقافية، وورش العمل التوعوية في المجال الأمني. ووفقاً لـ "أبو مصعب"، وهو الضابط المسؤول عن "اليرموك"، فقد سَجّل في "فوج سيف القدس" عشرات الآلاف من الأطفال والفتية والشباب وحتى كبار السنّ، ما دفع إدارة المخيّم إلى تقسيمه إلى أربع فئات: الإعدادية، ثمّ الثانوية، فالجامعية، وأخيراً كبار السنّ. وعلى رغم أن الذين التحقوا فعلياً تجاوزوا الـ3 آلاف مشارك، إلا أن أعداد المُسجّلين فاقت أعداد الملتحقين، إذ ضمّت السجلّات عشرات الآلاف، قبل أن يتمّ تنقيحها وفقاً للمعايير التي حدّدتها إدارة المخيّمات لجهتَي السنّ والبنية الجسدية.
وعن الأهداف التي تسعى "طلائع التحرير" إلى تحقيقها، قال أبو بلال، وهو المتحدّث باسم المخيّمات، في تصريحات إلى الصحافيين: "تسعى كتائب القسام إلى تحقيق جملةٍ من الأهداف أبرزها غرس المبادئ الإسلامية في نفوس الشباب، وترسيخ القيم الوطنية لديهم، وبثّ روح الثقة بالله والشجاعة والأمل والعزّة، والانتماء إلى الأرض المقدسة، والاستعداد لمرحلة التحرير والعودة"، بالإضافة إلى الأهداف الأمنية والوطنية والبرامج التدريبية والكشفية والعسكرية وغيرها من البرامج المختلفة. ولا يَفوت المتحدّثَ باسم المخيّم أن يوضح أن تجربة "القسام" في "طلائع التحرير"، والتي تجاوزت عقبات الانتماء الحزبي وفتحت أبوابها لكلّ مكوّنات المجتمع، "ليست سوى تطبيق لمبدأ التعبئة الشعبية العامّة أسوةً بكلّ الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ليكون شعبنا مؤهّلاً لدحر المحتلّين". لكن وقْع الحدث الذي حرص "القسام" على تغطيته إعلامياً على نحو لافت، يتجاوز وفق ما يراه متابعون حدود الأهداف العملية المعلَنة، إذ إن مشهد ازدحام المسجّلين أمام الخيام التي أقامتها المقاومة على مفترقات الطرق لهذا الغرض، قدّم صورة واضحة عن المفاعيل المعنوية التي تركتها معركة "سيف القدس" في الشارع، والتي لم يؤثّر فيها تشديد الاحتلال لحصاره.