الاقتناع الرائج بأن إدارة جو بايدن لا تمتلك سياسة حيال سوريا، قد تدفع البعض إلى الاعتقاد بأن إصرار الإدارة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد «عبر الحدود» (cross borders)، وليس «عبر الخطوط» (cross lines)، هو موقف إنساني منزّه عن أيّ أغراض أو أهواء. لكن قبل الخوض في الخلفيات الفعلية للموقف الأميركي، لا بدّ من الإشارة إلى أن الفريق المعنيّ بالملفّ السوري في الإدارة الحالية لا يضمّ، كما الذي سبقه، أشخاصاً كجيمس جيفري وأندرو تايلر مثلاً، وهم من الأنصار المُعلَنين لاستخدام ترسانة من الضغوط والعقوبات والخطوات التصعيدية الميدانية والسياسية، التي تفضي، بحسب رأيهم، إلى انهيار الدولة وتقسيم البلاد، لأن ذلك يخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة كما يُعرّفونها.من المفترض أن مثل هذه المقاربات تتناقض مع توجّهات إدارة بايدن، التي حدّدت «تخفيض التوتر» على مستوى الإقليم كهدف بذاته يتيح لها التفرّغ لأولوياتها الدولية الجديدة. لكن مصادر واسعة الاطّلاع على ما يدور في واشنطن أكدت، لـ»الأخبار»، أن إدارة بايدن ليست مستعدّة، على سبيل المثال، لإعادة النظر في العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة على سوريا، وعلى رأسها تلك الناجمة عن «قانون قيصر»، لأنها حظيت بدعم الحزبَين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس، ولأن «الإدارة غير مستعدة لتبديد رأسمال سياسي في المعركة التي ستنشب مع الجمهوريين، وقسم من الديموقراطيين، في حال اتخاذها قراراً بالتراجع عن العقوبات». وتستدرك المصادر نفسها بأن «الفريق الحالي لن يفرض عقوبات جديدة. لكن الحرص الذي يظهره على تمديد القرار الدولي الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية للسوريين، والذي تنتهي فترة العمل به في 10 تموز الجاري، عبر الحدود، أي عبر معبر باب الهوى الواقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وليس عبر الخطوط، أي للدولة السورية، لتقوم هي بتوزيعها على جميع المناطق، بما فيها الواقعة على الجهة الأخرى من خطوط التماس، يشي باشتراكه مع إدارة ترامب في هدف منع سوريا من استكمال عملية استعادة سيادتها على أراضيها، ولكن بذرائع إنسانية هذه المرّة».
تريد واشنطن تثبيت الأمر الواقع في سوريا وحرمان دولتها من استكمال استعادة سيادتها


في مداخلته أمام «المؤتمر الوزاري الموسّع بشأن سوريا»، الذي عُقد يوم الاثنين، على هامش «مؤتمر التحالف الدولي ضدّ داعش»، حدّد وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، 3 أهداف لسياسة بلاده في سوريا: تمديد وتوسيع القرار الدولي الخاص بالمساعدات «عبر الحدود» لهذا البلد، إنجاز مهمّة القضاء على «داعش» واستمرار تنفيذ وقف إطلاق النار على أرض الواقع. وبما أن مدّة العمل بالقرار المذكور سالفاً تنتهي في 10 تموز، فإن التمديد له يتطلّب الضغط على روسيا التي سبق لوزير خارجيتها، سيرغي لافروف، أن أعلن، قبل انعقاد المؤتمر، معارضته لهذا الأمر. وكانت الإدارة الأميركية تتأمّل، بعد جملة من القرارات التي اتّخذتها، كإيقاف شركة «كريست أويل» عن العمل في القطاع النفطي في الشمال السوري، وعدم فرض عقوبات إضافية على النظام السوري، أن تفسّر موسكو ذلك على أنه إشارات حسن نيّة من قِبَل واشنطن، فتُقدّم هي الأخرى إشارات مماثلة، بدءاً بالموافقة على تمديد القرار. غير أن المصادر المطّلعة لفتت الى أن توقّعات إدارة بايدن «لا أساس واقعياً لها، فروسيا، وبدعم من الصين، عملت على إغلاق معبرين من المعابر الـ 3 بين سوريا وجوارها، وهما معبر باب السلامة مع تركيا، ومعبر اليعربية، الواقع بين مدينة اليعربية في محافظة الحسكة، ومدينة ربيعة في إقليم كردستان العراق، خلال سنة 2020، من خلال عدم التصويت لمصلحة تجديد استخدامهما لإدخال المساعدات الدولية إلى سوريا. من الواضح أن إغلاق هذه المعابر، والسعي لفعل الشيء عينه مع باب الهوى، وطرح مقاربة بديلة، عبر الخطوط، لإيصال المساعدات، أي إرسالها إلى دمشق، لتقوم هي بعد ذلك بتوزيعها، يهدف إلى تمكين الأخيرة من استخدامها كورقة ضغط لتعزيز موقعها في مقابل المعارضة وداعميها».
إن كان هذا الدافع، أي المزيد من «تمكين» الدولة السورية، هو ما يفسّر موقف روسيا التي شاركت عبر تدخّلها منذ سنة 2015 في التصدّي لمشروع تدميرها، فإن خلفية الموقف الأميركي الحقيقية، والتي لا تنجح في حجبها الحُجج «الإنسانية»، من نوع الحرص على الحقوق الأساسية للاجئين في منطقة إدلب، أو التشكيك بنزاهة وفاعلية المؤسّسات السورية التي تتولّى عادةً توزيع المساعدات على السكّان، هو تثبيت الأمر الواقع القائم على الأرض في سوريا، وحرمان دولتها من استكمال استعادة سيادتها وسيطرتها على أراضيها. يضاف إلى ما ورد اعتبار آخر، وهو رغبة إدارة بايدن في تحسين العلاقات مع تركيا عبر التعاون معها عندما تتقاطع المصالح، كما هو جارٍ اليوم في منطقة إدلب.