لم تكن واقعة اغتيال الناشط السياسي الفلسطيني، نزار بنات، غريبة عمّن يعرفون كيف تُدار الأمور في أروقة السلطة الفلسطينية، وكيف يتعامل الرئيس محمود عباس مع معارضيه الذين يهدّدون استمراره في قيادة حركة «فتح» والسلطة و«منظّمة التحرير»، لتكون تصفية بنات حلقة جديدة في مسلسل الإقصاء عن طريق القتل، بعد محاولات عدّة لإسكاته طيلة السنوات الماضية. مصادر رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية، طلبت عدم ذكر اسمها، روت لـ«الأخبار» تفاصيل متعلّقة بعملية اغتيال المرشّح للمجلس التشريعي، وما سبقها من خطّة قُدّمت إلى الرئيس محمود عباس بخصوصه، وما أعقبها من أوامر بالتخلّص منه، في ظلّ واقع سياسي بات يشكّل تهديداً للسلطة بعد المواجهة العسكرية الأخيرة بين المقاومة والعدو، وتدهور شعبية حركة «فتح» وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي أخيراً.قبل أيام من عملية الاغتيال، قدّم مسؤول جهاز المخابرات العامة الفلسطيني، ماجد فرج، لعباس، ورقة تقدير موقف حول تراجع مكانة السلطة وتدنّي التأييد الشعبي لها إلى مستويات تاريخية في استطلاعات الرأي العام. وأشار فرج إلى عدّة عوامل تسبّبت بهذا التراجع، من ضمنها وجود أشخاص دأبوا على مهاجمة السلطة وقادتها وحكومة حركة «فتح» وإثارة القضايا ضدّها، وآخرها قضية صفقة اللقاحات منتهية الصلاحية. وذَكر من بين أبرز هؤلاء نزار بنات، الموجود في مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والذي بات محرّكاً رئيساً للرأي العام ضدّ السلطة في الأراضي الفلسطينية، بحسب الورقة. ولفت فرج إلى أن نتائج المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وما رافقها من تجرّؤ الكثير من الفلسطينيين على السلطة، يشكّل تهديداً حقيقياً للأخيرة، ويُضعف دورها والدعم الدولي المُقدَّم لها من عدّة جهات أبرزها الاتحاد الأوروبي، ويولّد ضغطاً كبيراً عليها، في ظلّ محاولات من قِبَل خصوم «فتح» لوراثتها والسيطرة على القرار والقيادة الفلسطينيَّين.
بعدها بيومين، وخلال اجتماع عقده عباس وضمّ عدداً من كبار قادة السلطة وحركة «فتح»، ذكر «أبو مازن»، بحسب المصادر الرفيعة نفسها، الناشط نزار بنات، متسائلاً عن سبب عدم إسكاته إلى الآن، ليجيب عليه ماجد فرج بأن بنات «مختفٍ عن الأنظار حالياً، وسنصل إليه قريباً»، ليردّ عباس: «خلصونا منه!». وفُهم من كلام عباس أنه يوفّر غطاءً لقتل نزار بعد عشرات المحاولات لإسكاته عن طريق الاعتقالات عبر النيابة العامة وتلفيق الاتّهامات له، واتصالات التهديد والوعيد، وصولاً إلى إطلاق النار على منزله وغرفة نومه وتكرار اقتحام بيته من قِبَل الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية. وبعد الاجتماع، صدرت الأوامر لـ«اللجنة الأمنية المشتركة»، التي تتشكّل من قوى أمنية مختلفة أبرزها جهاز المخابرات العامة وجهاز الأمن الوقائي، بالبحث عن بنات لإسكاته بأيّ وسيلة، ليتبيّن أنه غير موجود في منزله منذ فترة، وأنه يقيم لدى أقاربه في الخليل في منطقة خاضعة لسلطة الاحتلال الأمنية بشكل كامل (ضمن مناطق ج).
فُهم من كلام عباس أنه يوفّر غطاءً لقتل نزار بعد عشرات المحاولات لإسكاته عن طريق الاعتقالات


بعد وقت قصير، وليلة تنفيذ الاغتيال، نسّقت الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الاحتلال للسماح بدخول دورية تابعة للسلطة لاعتقال «مطلوبين» من المنطقة، على جري ما كان معتاداً طيلة السنوات الماضية، وأيضاً بعد عودة التنسيق بقوّة العام الفائت. كما تمّ إبلاغ العدو بأن الهدف هو نزار بنات الذي أصبح مثيراً للرأي العام، وعاملاً مساعداً على اشتعال الوضع الأمني في الضفة عبر استمرار انتقاده للسلطة ودعوته إلى إدامة المواجهات مع الاحتلال، لتسمح السلطات الإسرائيلية باعتقاله، وتتوجّه قوّة مكوّنة من 6 جيبات عسكرية تضمّ 25 عنصراً من «اللجنة المشتركة» إلى المنزل الذي يقيم فيه بنات. وقبل ساعة من فجر الخميس الماضي، حاصرت القوّة المنزل، ومن ثمّ اقتحمته، حيث اعتقلت نزار وضربته بشدّة حتى فارق الحياة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا