عمّان | قرَّر مجلس النواب الأردني، في جلسة طارئة الأحد الماضي، بحضور هيئة الوزارة، فصل النائب أسامة العجارمة. وصوّت لمصلحة القرار 108 نواب من أصل 119 حضروا الجلسة التي دعي إليها بناءً على مذكرة نيابية موقَّعة من جانب 109 نواب، بخصوص تصريحات النائب المفصول، الذي سلَّم رئاسة المجلس، الأسبوع الماضي، استقالته، بعدما قرَّر الأخير، في الـ 27 من الشهر الفائت، تجميد عضوية العجارمة عاماً واحداً وقطع مستحقّاته المالية، بسبب إساءته للمجلس ولأعضائه وللنظام الداخلي. وبدأت القصة بعد مداخلة العجارمة في البرلمان حول انقطاع كبير للتيار الكهربائي في المملكة في 21 أيار، اعتبره متعمَّداً من أجل منْع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين كانت متوجّهة إلى عمّان، قائلاً إنه جرى توقيف مركبات كانت ترفع العلم الفلسطيني من قِبَل الشرطة. وأضاف العجارمة إن «أبناء العشائر سيزحفون إلى عمّان، والمتقاعدون العسكريون سيلبسون الفوتيك للدعس على شوارب كلّ عميل».وبعد تجميد عضويته في البرلمان، أقام العجارمة مهرجاناً جماهيرياً في منطقته، حيث عمدت عشيرته الى قطع طريق عمّان ــــ البحر الميت، ما أدّى إلى تدخُّل الأمن لتفريق المجتمعين وهدم خيمة التضامن. وفي ضوء التوتُّر الحاصل، أصدر متصرّف المنطقة بياناً يقول فيه إن العجارمة توارى عن الأنظار في منزل أحد وجهاء المنطقة، لكن النائب المفصول نُقل إلى المستشفى بسبب حالة إعياء، ما لبث أن أصدر على إثرها بياناً سمّاه «البيان الرقم 1»، يهاجم فيه المتصرّف «الممنوع» من دخول منطقته. وفي وقت لاحق، أكدت وزارة الداخلية أن العجارمة ليس موقوفاً لدى أيّ جهاز أمني. وعلى رغم الاصطفاف الشعبي إلى جانب العجارمة، الذي احتدّ وهو يتحدّث عن المعتقلَيْن لدى الاحتلال الإسرائيلي، مصعب الدعجة وخليفة العنوز، إلّا أن منطلقاته العشائرية أثارت حفيظة العشائر الأخرى، التي انبرت إلى إصدار بيانات تعيد فيها تجديد الولاء للملك.
لم تُحدث قضيّة الأمير حمزة الانقسام الذي ولّدته قضيّة العجارمة


كَبُرت كرة الثلج، لتدفع العجارمة إلى تقديم استقالته إلى الشعب الأردني، متجاهلاً كلّ مَن حاول التدخُّل لثنيه عنها، وعازياً إيّاها إلى «أسباب عديدة تتعلّق بحجم التشوّهات الدستورية الناظمة للحياة السياسية، وبالأخصّ العمل البرلماني». وصوّب العجارمة سهامه على الملك مباشرة، حين قال: «على رأس تلك التشوّهات تقع صلاحية الملك بحلّ مجلس النواب متى شاء»، مشبّهاً الأمر بالعبودية. لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ تمترس النائب المفصول في منطقته وبين أبناء عشيرته، حتى بدأ التوتُّر يسري في المملكة، ولا سيما أن العشائر انقسمت ما بين مؤيّد له، ومجدّد لبيعة الملك. مع هذا، حظي العجارمة بتعاطف شعبي، سرعان ما تلاشى وهو يخطب بين أبناء عشيرته التي يجب، بحسبه، أن تتسلّم القيادة. كما خطب الرجل عشيّة التصويت على البتّ باستقالته، حين سُرّبت له مقاطع مصوّرة يهين فيها الملك، ويتحدّث عن رغبته في قتله برصاصة في جبينه. ولم يتوقّف الأمر عند بيانات من هنا وتصريحات من هناك؛ بل تدخّلت القوى الأمنية وهدمت بيت الشعر الذي بنته عشيرة العجارمة لاستقبال المؤيدين، وتمّ تبادل إطلاق النار بين الجانبين وإلقاء قنابل مسيلة للدموع، ما دفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان تحذّر فيه من مغبّة عقد تجمّعات ولقاءات وبناء بيوت شعر بشكل مخالف للقانون. ما أحدث البلبلة في يوم هدم بيت الشعر التابع للعجارمة، نبأ إصابة نقيب في الأمن العام في عملية إطلاق النار، إذ اعتُقد أن الإصابة حدثت على يد أبناء العجارمة، لكن توضَّح لاحقاً أنها وقعت في محافظة أخرى ضمن عملية تابعة لإدارة مكافحة المخدرات. لم تُحدث قضية الأمير حمزة الانقسام الذي ولّدته قضيّة العجارمة. وللرجل، كما يظهر، موقف منذ إعلان الحكومة المقتضب عن «فتنة حمزة»، إذ وجّه رسالة إلى رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، يسأله فيها عن باسم عوض الله، وغادر الجلسة معترضاً عندما رفض الخصاونة تسمية الدولة الخارجية المتورّطة في «الفتنة»، كما اعترض على تغييب مجلس النواب، وتجاهله تماماً في مجريات تلك الأحداث.
على المقلب الآخر، رفض التصويت على فصل العجارمة نواب محسوبون على «الإخوان المسلمون» من «كتلة الإصلاح» وغيرها. وكان النائب ينال فريحات، من «كتلة الإصلاح» قد تولّى، في وقت سابق، تسليم استقالة العجارمة إلى أمانة سرّ مجلس النواب. كما نقل وقائع جدال دار في جلسة التصويت على فصله، حيث استغرب عضو الكتلة، المحامي صالح العرموطي، حضور عدد كبير من النواب جلسةً طارئة، فأجابه أحد النواب بـ»نعم، الكلّ جاي اليوم عشان يفزع للوطن وسيدنا... وبدنا نفصل أسامة»، ليردّ عليه العرموطي بأن القرار في تلك الجلسة يعتبر مخالفاً للدستور، ويجيب نائب آخر: «اليوم بدنا ندعس على الدستور من أجل سيدنا».
يتّضح يوماً بعد يوم أن الأزمة التي يواجهها عبد الله شائكة وكبيرة هذه المرّة، إذ إنها تتعلّق بالتركيبة الاجتماعية العشائرية للدولة. وما بين فتنة خارجية وأخرى داخل البيت الواحد، يهتز عمود العشائر الذي لطالما مثّل السند للحكم الهاشمي. من هنا، يمكن أيضاً فهم قرار النيابة العامة الإسرائيلية توجيه مصلحة السجون للإفراج عن الأردنيَّين مصعب الدعجة وخليفة العنوز، يوم أمس، بعد ضغوط مارستها عمّان للتخلّص من ورقتهما التي كان من الممكن توظيفها ميدانياً في موضوع العجارمة، ولا سيما أنهما، بخلاف المعتقلين الأردنيين في سجون الاحتلال، ليسا من أصول فلسطينية.