إن كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي قد توقع «ثورة 25 يناير» قبل اندلاعها احتجاجاً على توريث حسني مبارك الحكم لابنه الأصغر جمال، فإن التقارير التي قدمها مدير الاستخبارات العسكرية الأسبق لم تتنبأ بمرحلة الصراع بين رجال الدولة المستمرة حتى الآن.
بعد أشهر قليلة من توليه منصبه في عام 2010، رفع مدير الاستخبارات الحربية آنذاك، اللواء عبد الفتاح السيسي، تقريراً إلى وزير الدفاع المشير طنطاوي، يؤكد فيه أن احتجاجات شعبية ستقع بين أيار أو أيلول 2011، بالتزامن مع ترشيح جمال مبارك للانتخابات، مع الإشارة إلى ضرورة أن يكون الجيش مستعداً للتحرك إذا خرجت الأمور عن السيطرة.
في هذا التقرير، رصد السيسي عوامل الاحتجاج الشعبي آنذاك، حين كانت مؤسسة الجيش بعيدة عن الحياة السياسية، ولم يكن بالتالي في ذهن رجال مبارك الابن، المتصارعين على السلطة أن الجيش لن يقبل وصول جمال إلى كرسي أبيه وسط الرفض الشعبي المتزايد.
قامت الاحتجاجات الشعبية في يناير/ كانون الثاني قبل الموعد الذي حدده السيسي، فكانت اختيارات الجيش محدودة، ليس فقط لمحاولة خلق حالة من الثقة مع الشارع ولكن لأن الظروف الجديدة فرضت على الجيش الحضور في الشارع، فكان رفض المشير طنطاوي تعيينه كنائب لمبارك خلال أيام الثورة بمثابة الفرصة الأفضل للجيش للبقاء بعيداً عن نظام فقد شرعيته ولم يعد مرحباً به شعبياً.
خلال تلك الفترة، شهدت الدولة صراعات عديدة. صحيح أن عدداً من رجال مبارك اضطروا إلى الهروب خارج البلاد، والبعض الآخر اضطر إلى قضاء فترة خلف القضبان على ذمة قضايا عدة، قبل أن يحصلوا على براءتهم، بينما بقي الصراع بينهم وبين رجالهم في مختلف جهات الدولة. ثم برز الصراع بصورة لافتة خلال الفترة الأخيرة من خلال تسريب المعلومات والأخطاء الخاصة بالشخصيات التي يختارها السيسي عبر معارضيه الذين لا يزال عدد كبير منهم حتى الآن يشغل مناصب مهمة.
ولا يزال الصراع بين مؤسسات الدولة المختلفة يظهر بوضوح خلال الفترة الحالية، بعضها داخل الوزارة الواحدة وهو ما يحدث في وزارة الداخلية على سبيل المثال. فالوزير مجدي عبد الغفار مدعوم من الرئيس السيسي ومن رئيس الحكومة شريف اسماعيل، لكنه يواجه معارضة من جهاز الأمن الوطني الذي يقوم بتسريب معلومات تضر بالوزير وترصد انتهاكات الوزارة.
لم يستطع الجيش إحكام السيطرة على قطاعات عدة

ويضطر أحياناً الرئيس ومؤيدوه إلى الاستجابة لضغوط أنصار مبارك، وهو ما حدث في وزارة الإعلام التي لا يزال يسيطر على المناصب القيادية فيها شخصيات تدين بالولاء لوزيري الإعلام السابقين، أنس الفقي وصفوت الشريف، وهو ما يتضح في فشل الاستخبارات العامة أخيراً عبر الشركة الإعلامية التي قامت بتأسيسها في إطلاق برنامج «توك شو» قوي، يواجه عراقيل إدارية من داخل المبنى.
صحيح أن الجيش قام بحماية «رجاله»، وهو ما يتضح في تسوية الوضع القانوني لرئيس قطاع الأخبار الأسبق عبد اللطيف المناوي، وإخراج اللواء سمير فرج محافظ الأقصر الأسبق من السجن وإعادته مستشاراً للشؤون المعنوية، إلا أنه لم يستطع إحكام السيطرة حتى الآن على قطاعات عدة.
«رجال مبارك» موجودون أيضاً في البرلمان ولكن بقوة أقل من المتوقعة. فزعيم الأغلبية في برلمان 2010 المنحل أحمد عز، رغم منعه قضائياً من خوض الانتخابات إلا أن عدداً كبيراً من رجاله نجحوا تحت قبة البرلمان، سواء كمرشحين مستقلين أو من خلال أحزاب عدة؛ منها «مستقبل وطن» و«المصريين الأحرار».
عمل الأجهزة بمعزل عن بعضها، وتداخل الاختصاصات ظهر بوضوح في الانتخابات البرلمانية. فوزارة الداخلية التي كانت مسؤولة عن الانتخابات البرلمانية وتنسيق قوائمها انتزع منها الاختصاص لمصلحة الاستخبارات العامة التي قامت بدور كبير في الشأن الداخلي، بخلاف ما كان يحدث في عهد نظام مبارك حين تولت الداخلية وجهاز أمن الدولة القيام بهذا الدور، فيما أسند لوزارة الداخلية فقط مهمة ملاحقة الخلايا الإرهابية لتفقد أحد أهم أدوارها في الشأن الداخلي.
إعادة توزيع الاختصاصات أيضاً طالت الاستخبارات الحربية التي أصبحت شريكة الاستخبارات العامة في متابعة ملفات عدة، فضلاً عن طلب السيسي الاطلاع على تقارير أسبوعية منها مرتبط بالشأن الداخلي والخارجي، وهو ما تسبب في حساسية بالتعامل بين قيادات الجهازين، وخصوصاً أن السيسي أصبح يصطحب مدير الاستخبارات العامة معه باستمرار في معظم رحلاته الخارجية وهو تقليد لم يكن متبعاً من قبل.
اللافت أن الرئيس السيسي أصبح لديه اقتناع بأن من لم يتورط بالفساد مع مبارك يمكن إشراكه مجدداً والاستفادة منه، وهو ما حدث مع عدد من المسؤولين السابقين المحسوبين على نظام مبارك، منهم الدكتور أحمد درويش الذي عين رئيساً للمنطقة الاقتصادية في قناة السويس، والمستشار رئيس مجلس القضاء الأسبق سري صيام، الذي عُيّن في مجلس النواب وكان المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب المنحل فتحي سرور.