«الشعب السوري يبايع سمير جعجع» كان يمكن هذه الجملة أن تكون نكتة سمجة، على مواقع التواصل الاجتماعي… لكنّها للأسف في منتهى الواقعيّة، بعد أن اختبر الشعب السوري الفاجعة بكل أشكالها، خلال السنين الثلاث الماضية، ها قد ظهر له «مخلّص» في منتهى الديموقراطيّة والثوريّة، اسمه أحمد الجربا. كنّا نظنّ أن الانتفاضة السوريّة هدفها تحرير الارادة الشعبية من أي وصاية قمعيّة، كي لا تصادرها أي سلطة سياسيّة بعد اليوم.
فإذا بالدمية البائسة التي تحرّكها دول وجهات تتمنّى لسوريا كل شيء إلا الحريّة والديموقراطيّة، تقرّر أن تنطق باسم الشعب في مسائل سياسيّة تخصّ «البلد الشقيق»، الواقف هو الآخر على حافة بركان.
الخبر كان على كل الشاشات في نهاية الأسبوع: رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا اتصل بسمير جعجع. ولا شك أن كثيرين استحضروا المثل العربي القديم: «وافق شنّ طبقة»، لكن فظاعة الحدث، وهي فظاعة مضحكة ـــ مبكية، تكمن في تتمّة الخبر: قال الجربا لصديقه وحليفه قائد القوّات اللبنانيّة: «الشعب السوري سيكون مرتاحا ومسرورا بوصولكم إلى قصر بعبدا».
شخصياً، وكمواطن سوري قادني الخبر نحو مساحتي الشخصية الوحيدة في هذا العالم، أي صفحتي على الفايسبوك لأردد كل ما أوتيت من شتائم، ثم انزويت أفكر في صورة هذين الرجلين اللذين يتحدثان باسم الشعب السوري اليوم.
تواردت إلى ذهني صورة نادرة للحكيم رأيتها معلقة في مكتب صحافي لبناني بارز، وقد مهرت بجملة معبرة تقول «ويحك أيها المجرم»، لكن على ضفة مقابلة مرت صور أكثر وطأة لشعب كامل نكّلت أحلامه، وما زال نصفه على الأقل يرزح تحت دمار وقتل وتشريد وتعذيب وتكفير، ونصفه الآخر بعثر في أرجاء الأرض بحثاً عن ملاذ آمن، أو دفن في مقابر جماعية ولم يبق لأهله منه سوى شهادة وفاة وهوية شخصية! تلك هي صورة الشعب السوري الذي يتحدث باسمه «فخامة الرئيس» كما تسميه مملكة آل سعود وكما يحلم بأن يصير لا ضير. ربما يريد الجربا أن نغض البصر عما يتداوله العارفون بتاريخه وقصة سجنه في السعودية على خلفية جرم شائن، ومن ثم خروجه بوساطة عشائرية، وتسفيره إلى سوريا وعمله بالقرب من أحد رموز الفساد في نظام البعث لفترة طويلة قبل أن يحتاج إليه أمراء آل سعود مرة جديدة. ولنحقق للرجل حلمه في بضعة سطور.
لا بد يا فخامة الرئيس أن هناك في محيط بلاطك عاقلا واحدا على الأقل، لعله يهمس في أذنك ليخبرك أن من ثاروا في وجه النظام، فعلوا ذلك لأن الأخير تكلم باسمهم دون وجه حق طيلة أربعة عقود ونيف، وإذ بك تكرر الخطأ ذاته على نحو أكثر بشاعة، وتتحدث نيابة عنهم من دون أن يسمع أحد باسمك قبل زمن الفوضى والإجرام.
وعندما أتتكم الفرصة يا فخامة الرئيس لتتسيدوا المشهد المخزي، سرتم بكل ثقة في درب إغراق هذا الشعب في بحر من الدماء، وها أنتم مستمرون في الإجهاز على ما بقي لديه من أمل في الخلاص. لا بد أن هناك حكيما غير الذي اخترت واتصلت به سيصف لك أنك أنت دوناً عن غيرك، لا تحمل أية قيمة أو بقايا احترام في خلد سوري واحد يعرف ماضيك الملطخ وحاضرك الأرعن؟ هل تذكر يا فخامة الرئيس وزيراً سابقاً اسمه محسن بلال؟ بلا شك حفر الرجل اسمه عميقاً في وجدانك، برغم أن وجوده في وزارة الإعلام خطأ تاريخي لا يقل فداحة عن دخول مذيع تلفزيوني إلى غرفة العمليات الجراحية، وقد أتى به النظام للمنصب الحساس على مبدأ «الجكارة» بنائب الرئيس المنشق عبد الحليم خدام. كيف لا تذكر ويعرف كل من عاصر تلك المرحلة البائسة، أنك كنت مهندس علاقاته، وخليل جلساته و«الخزمتجي» المشرف على سهرات أنسه، ولا بد أن صدى صوته يتردد على مسامعكم يا فخامة الرئيس عندما كان يناديكم «شيخ أحمد صب قهوة»؟! وكنت لبيباً بشهادة معاصري بلال تفهم من الإيماءة.
دع عنك كل ذلك واسمعني بصوت مواطن سوري ليس إلا: «شيخ أحمد» توقف عن الحديث باسم شعب يشتم رائحة فسادك عن بعد آلاف الأميال، ولتذهب إلى الجحيم غير مأسوف عليك.