المنيا | على غير المتوقع، مرّت محاكمات الاعدام في محافظة المنيا جنوب الصعيد مرور الكرام، وكأن حدثاً عادياً قد حصل، أو كأن شيئاً لم يكن. الموقف في المنيا تشابه مع واقع مصر كلها؛ فلا الشارع المصري انتفض ولا السياسيون اعترضوا على إحالة أوراق 683 من مدينة العدوة على المفتي، منهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة محمد بديع، وهو ما يعني أن القاضي حكم عليهم بالإعدام، على أن يدرس المفتي الأوراق ويبتّها.
وترافق حكم إحالة أوراق 683 من أعضاء الجماعة على المفتي مع صدور الحكم بإعدام 37 من إجمالي الـ529 من مدينة مطاي، الذين سبقت إحالة أوراقهم على المفتي والحكم بالمؤبد على 492 منهم، وغرامة 20 ألف جنية لكل منهم، ووضعهم تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية للعقوبة.
وفي سياق متصل، قرر النائب العام المصري، هشام بركات، الطعن في جميع أحكام الإعدام أو السجن المؤبد (25 عاماً) أو البراءة الصادرة بحق مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي في قضية أحداث العنف في محافظة المنيا.
وقال بركات، في بيان، إن قرار الطعن يأتي «حرصاً على حسن سير العدالة وتطبيقاً لصحيح القانون».
وفي مفارقة تطعن في مصداقية الحكم وتكشف عدم تدقيق جهات البحث والتحري أو النيابة العامة في تحقيقاتها، تضمنت أسماء المحكوم عليهم بالإعدام شخصين ميتين، الأول إبراهيم عبد المجيد المتوفى منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفق ما أكدت أسرته أمام المحكمة أمس. كذلك فإن من بين المحكوم عليهم بالإعدام الطالب عبد الرحمن إسماعيل الذي لقي مصرعه يوم 14 آب الماضي في مطاي المنيا، إثر فضّ اعتصامات «رابعة العدوية».
وقال حسام شبيب، المحامي لـ30 متهماً، لـ«الأخبار»، إن المحاكمة تغيب عنها الاجرءات القانونية؛ فالقضاء لم يُمكّن الدفاع من إبداء طلباته، أو الاستعانة بالشهود، موضحاً أن المحاكمة لم تأخذ كل درجات التقاضي، ولا يزال أمام المحامين النقض، مشيراً إلى أنه سيتقدم به خلال المدة القانونية المتاحة وهي 60 يوماً، حتى تتم إعادة النظر في القضية.
وعن رد فعل جماعة الإخوان المسلمين على الحكم، كشفت مصادر في «الإخوان» لـ«الأخبار» أن الجماعة تدرس عدداً من الخيارات، منها حل جميع الأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة التحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يضم الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان وعدداً من الأحزاب ذات التوجه والمرجعية الإسلاميين، والاستقالة من جميع المؤسسات الحكومية النقابية، والأهلية، كالنقابات وغيرها.
وأضافت المصادر أن «كل هذه الأحكام تأتي في إطار ضغط الدولة على أعضاء الجماعة ممن هم طلقاء لاستخدام السلاح في مواجهة الدولة، وهو ما لن يحدث».
وأوضح أحد أعضاء اللجنة القانونية لحزب الحرية والعدالة أنهم يعتزمون تدويل قضيتهم، عبر اللجوء القانوني إلى المحاكم الدولية. وبشأن سؤال «الأخبار» عمّا إذا كان هذا التصرف يعدّ استقواءً بالخارج، قال المصدر «نحن سنلجأ إلى هذه البلدان مستخدمين حقنا في المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّعت مصر عليها».
«علقت ــ المشانج ــ هنعلق ــ السياسة»، بهذه الكلمات، صنع أنصار الإخوان «هاشتاج» عبر موقعي «فايسبوك» و«تويتر»، رداً على أحكام الاعدام، مؤكدين «اعتزالهم السياسة في ظل النظام القمعي الذي يؤسس لدولة عبد الفتاح السيسي الأمنية». وفي تعليقه على الأحكام، سخر مرشد جماعة الإخوان محمد بديع من الحكم الصادر بحقه بالقول، خلال جلسة قضية التخابر التي عُقدت أمس أيضاً في مقر أكاديمية الشرطة، «اشتروا لي البدلة الحمرا». مشهد المدينة تزعمه طلاب جامعة المنيا الذين تظاهروا ضد الأحكام. وفيما عاش أهل المحكوم عليهم لحظات صعبة، استكملت المدينة، صاحبة القضية، حياتها وأقامت سوقها التجاري الأسبوعي المتعارف موعده على أنه يوم الاثنين، غير عابئة بالأحكام.
«حسبي الله ونعم الوكيل»، «ربنا ينتقم»، هتافات علت أرجاء محيط محكمة جنايات المنيا بعد نطق القاضي بحكم الإعدام لـ37 متهماً. بصوت يخنقه البكاء روت «أم علياء» لـ«الأخبار» قصة زوجها مصطفى الرفاعي الذي «حكم وهو بريء من ارتكاب أي ذنب». الزوجة التي تهكمت وسخرت من الحكم على زوجها لفتت إلى أنها لا تعرف هل تفرح بأن زوجها أفلت من حكم الإعدام، أم تحزن لبقائه طيلة حياته داخل جدران السجن تاركاً لها 4 أبناء، وعليها أن تجهز مبلغ 20 ألف جنية غرامة، لسدادها أيضاً.
«بكرة الثورة تشيل ما تخلي»، «بكرة النصر من عند الله»، جمل هتفت بها أم سياف والدة جمال، طالب الطب الذي حصل ووالده على السجن المؤبد، إلا أنهما هاربان خارج القاهرة. وتتابع حديثها بثقة «هننتصر»، مراهنة على «معجزة من الله ليظهر براءة رجالها».
وكانت أجهزة الشرطة اتخذت إجراءات أمنية مشددة في مدينة المنيا. مقر المحكمة وحده أحيط بما يزيد على 5 مدرعات شرطة ومدرعتي جيش، إلا أنه حتى انتهاء المحاكمة لم يحدث أي اشتباك بين الأسر الموجودة حول المقر ورجال الشرطة الذين التزموا ضبط النفس طوال الوقت.
وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية في مطاي أن الشرطة اتخذت حالة استنفار أمني في المدينة تحسباً لحدوث أي أحداث شغب، بعد الحكم الذي أقرّ إعدام 37 من أهلها.
وفي سياق متصل (أ ف ب، الأناضول، رويترز)، قال المرشح الرئاسي حمدين صباحي، في بيان، إن «القضاء المصري سيصوّب الأحكام التي تسيء إليه وإلى صورة مصر، والتوسع في إصدار الأحكام يسيء إلى صورة القضاء».
من جانبه، دعا حزب «مصر القوية» المعارض بزعامة عبد المنعم أبو الفتوح المصريين جميعاً إلى رفض محاولات «هدم الدولة التي تقوم بها السلطة الحالية وتوابعها بكافة الطرق والوسائل السلمية حتى لا تقع مصر في بحر من الفوضى الشاملة التي ستمتد آثارها حينئذ إلى جميع المصريين».
كذلك أجمعت المواقف الدولية على التنديد بأحكام الإعدام، مطالبة السلطات المصرية بالعودة عنها.
ورأى المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما، في بيان، «أن حكم اليوم (أمس)، على غرار حكم الشهر السابق، يشكل تحدياً لأبسط قواعد العدالة الدولية»، متحدثاً عن «سابقة خطيرة».
من جهتها، طالبت منظمة «العفو الدولية» بالتراجع عن أحكام الإعدام والسجن المؤبد، محذرةً ممّا وصفته بـ«العيوب الخطيرة في نظام العدالة الجنائية في مصر».