عمّان | زيارةٌ خاطفة أجراها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، للعاصمة الأردنية، عمّان، تُشبه إلى حدٍّ بعيد زيارات الملك عبدالله، أخيراً، للإمارات، لكونها سريعة، وغير مُعلن عنها مسبقاً، ولا تخرج عنها سوى تصريحات فضفاضة لا تُعبّر عن حقيقة الموقف. اللافت أن الزيارة جاءت بُعيد نشر صحيفة «غارديان» البريطانية تقريراً حول ملابسات «حادثة الفتنة» الأخيرة في الأردن، تحدّثت فيه عن أن الجانب الأميركي، عبر السفارة في عمّان، هو مَن بلّغ المخابرات العامة الأردنية بما كان يُحاك بين مستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنر، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتغيير معالم المنطقة وإزاحة عبدالله عن عرشه، على خلفية استيائهما من رفض هذا الأخير مشروع «صفقة القرن». واستهدف المخطّط، وفق الصحيفة، إقصاء الوصاية الهاشمية على الحرم القدسي، واستبدالها باتفاق سعودي - إسرائيلي كان سيتمّ بكلّ تأكيد في ما لو بقيَ دونالد ترامب في البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية. كما أشار التقرير إلى عِلْم الإماراتيين بالاتفاق، الذين اشترطوا في مقابل تساوقهم مع كوشنر - ابن سلمان الحصول على طائرات «إف-35» من واشنطن، في صفقة عرقلتها إدارة جو بايدن بداية العام، وما لبثت أن عادت ووافقت عليها منتصف نيسان/ أبريل الماضي. [اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
على أن عبدالله بدا مبتسماً لدى استقباله ابن زايد في مطار ماركا العسكري، وغرّد عبر موقع «تويتر»: «سررتُ بزيارة الشيخ محمد بن زايد لعمّان، وفي كلّ لقاء يجمعني مع أخي العزيز أبي خالد، يكون العنوان الأبرز خدمة بلدينا وشعبينا الشقيقين، وقضايا الأمّة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية». اللقاء الذي استغرق أقلّ من ثلاث ساعات، ضمَّ إلى الملك، ولي عهده الأمير حسين، ورئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ومدير مكتب الملك جعفر حسان، ومدير المخابرات العامة أحمد حسني حاتوقاي. ويمثّل هؤلاء الدائرة الأولى للملك، بمَن فيهم رئيس المخابرات التي حجَّمها عبدالله قبل عدّة أشهر برسالة قاسية أُتبعت بإحالات على التقاعد. أما مرافقو ابن زايد، فهم: ابنه حمدان، ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة منصور بن زايد آل نهيان، والسفير الإماراتي في عمّان أحمد علي البلوشي.
يَظهر أن الإمارات تبحث عن قناة مضمونة لصرف أموالها في قطاع غزّة


وبمعزل عن «حادثة الفتنة»، فإن زيارة ابن زايد للأردن ربّما تكون مرتبطة بالمفاوضات الماراثونية الجارية حول الملفّ الفلسطيني، والتي تريد كلّ من أبو ظبي وعمّان حجز دور لها فيها، خصوصاً بعدما بدا أن الأميركيين يهملون الدورَين معاً لمصلحة اللاعبَين القطري والمصري. وفي هذا الإطار، يظهر أن الإمارات تبحث عن قناة مضمونة لصرف أموالها في قطاع غزّة، وهي قد ترى في عمّان الخيار الأنسب لذلك، ما يمكن أن يُعدَّ عربونَ صلح ضمني من ناحية، وإشراكاً للأردن في معادلة صرف الأموال إلى حين إرساء شكل جديد للسلطة في الضفة الغربية، من ناحية ثانية.
على الصعيد الداخلي الأردني، وفي ظلّ تحرُّك العشائر «بالمعنى الاعتباري» تفاعلاً مع الأحداث الأخيرة، وبقاء سقف التحرُّكات الرسمية ضمن العلاقة المستقرّة على برودتها مع تل أبيب، يأتي استحقاق محاكمة باسم عوض الله المنتظرة، والتي ستكشف النقاب عن الجهات الخارجية المتورّطة في تأليب الأمير حمزة على أخيه، عبر الإشارة إلى تسجيلات تملكها الدولة الأردنية ولا تُظهرها لأهل الأردن، بل تستخدمها، على ما يبدو، في جولات ضغط مع الرياض وأبو ظبي، عبر تسريبها إلى صحافيين في وسائل إعلامية أجنبية.