إذا لم يَحُل حائلٌ دون إجراء انتخابات مجلس الشورى الأولى في قطر في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، فستنضمّ هذه الإمارة إلى نادي الدول الخليجية ذات المجالس التشريعية المنتخَبة، بعد إقرار مجلس الوزراء القطري، قبل أيام، القانون الخاص بانتخاب مجلس الشورى، لتبقى خارج هذا النادي السعودية والإمارات وحدهما. وهما من بين آخر دول العالم التي لم تعرف أيّ انتخابات تشريعية في تاريخها. ثمّة عوامل عديدة تساعد على إجراء الانتخابات القطرية بسلاسة، أهمّها أن حكومة الدوحة، وعلى رغم عدم وجود انتخابات، استطاعت تحقيق انسجام نسبي بين سياستها وبين الرأي العام القطري، فيما تكفّلت المقاطعة الخليجية ــــ المصرية التي فُرضت عليها بشدّ العصب الوطني، ولا سيما أنها مسّت المواطنين في حياتهم اليومية، بل وبتعزيز التفاف القطريين حول القيادة السياسية للبلاد بعدما تراجعت الرياض وحلفاؤها عن المقاطعة من دون تحقيق أيّ مكسب. ثمّ جاء نجاح الدوحة في فرض نفسها كواحدة من العواصم المعنيّة بالوساطات إبّان العدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيين في غزة والقدس، ليُعزّز الرصيد السياسي للحُكم القطري. يضاف إلى ما تقدَّم، بطبيعة الحال، الرخاء الذي يتمتّع به الشعب في قطر، حيث نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي من بين الأعلى عالمياً، كما إتاحة الحريات الشخصية للمواطنين في حياتهم اليومية، لتظلّ الإشكالية الرئيسية هي الحريات السياسية وطريقة التعامل مع المعارضين السياسيين.لا تعطي الدوحة، حتى الآن، هامشاً كبيراً للحرّيات السياسية، وذلك ما يُفترض أن تُغيّره انتخابات مجلس الشورى، ولو تدريجياً. لا توجد، حالياً، أحزاب أو أيّ أُطر أخرى للعمل السياسي، لكن الانتخابات التشريعية بطبيعتها سياسية، وستفرز اصطفافات من هذا النوع حتى من دون وجود تلك الأُطر. وفي حالة قطر، تتحالف الحكومة نفسها مع «الإخوان المسلمين»، الذين هم فصيل المعارضة الرئيسي في كلّ دول الخليج الأخرى، سواء كانت هذه المعارضة سريّة وممنوعة، كما في السعودية والإمارات وسلطنة عمان، أو يجري التساهل مع وجودها، كما في الكويت. وستؤدّي انتخابات مجلس الشورى، على الأرجح، إلى إضفاء مزيد من الحيوية على الحياة السياسية في قطر، التي تتميّز أصلاً بممارسة حيّة وتفاعلية للحُكم، تتجلّى في سياسة خارجية مَرنة، ترتكز على مزيج من الواقعية، والانحياز المبدئي لجماعة «الإخوان المسلمين»، وللإسلاميين عموماً بمختلف تياراتهم، من دون التقيُّد بالمحدّدات العقائدية لهم.
يُرجَّح أن تؤدّي انتخابات مجلس الشورى إلى إضفاء مزيد من الحيوية على الحياة السياسية في قطر


ويوحي إعداد القانون التفصيلي للانتخابات، بعد أشهر قليلة على خطاب الأمير الذي كلّف فيه مجلس الوزراء بإعداده، بأن الدوحة ماضية هذه المرّة في تنفيذ العملية، التي تأجّلت مرّات عديدة في السنوات الماضية. أمّا مشكلة غياب التقاليد الديموقراطية في الخليج، فهي مسؤولية الأنظمة. لكن إجراء الانتخابات في المجتمعات القبلية، ولا سيما الصغيرة منها مثل قطر، يتطلّب نوعاً خاصاً من الاستعدادات، حتى لا تتحوّل القبيلة إلى بديل للحزب أو الجماعة السياسية، في ظلّ الولاء القبلي الطاغي في تلك الدول، والذي يَتوقّع من الصغير طاعة الكبير، وصولاً إلى استحواذ السلطة القبلية المتمثّلة في شيوخ القبيلة على القرار في كلّ شؤونها، وحتى في زيجاتها. لكن تجربة الكويت تُظهر أن القبلية ليست مانعاً أمام إجراء انتخابات تشريعية، ولا أمام تشكيل أحزاب وجمعيات سياسية، ولا الانتخابات سبب لإثارة النزاعات القبلية. ففي مجلس الأمّة الكويتي الذي تهيمن عليه القبائل، يجري إقرار أكثر القوانين حداثة، ولا يفسد التنوع القبلي للودّ بين القبائل قضية. العكس هو الصحيح، فثمّة تعاون بين القبائل لتعظيم حصّتها من كعكة السلطة. كما أن ثمّة دائماً انتماءً آخر سياسياً للنائب إلى جانب الانتماء القبلي. وفي قطر، سيكون للقبائل حتماً دور أساسي في الانتخابات. ولا يستطيع أيّ قانون في العالم منْع ناخب من التصويت لابن عمه أو ابن قبيلته. هذا يحدّده الوعي المجتمعي، وفي أحسن الأحوال تكون القوانين مجرّد عامل مساعد له. أمّا ما يمكن لقانون النصّ عليه، فهو منع إثارة النعرات الطائفية أو القبلية في الدعاية الانتخابية، للحؤول دون أن تؤدّي الانتخابات إلى نزاعات طائفية أو قبلية. وذلك بالتحديد ما نصّ عليه مشروع القانون المحال على مجلس الشورى القطري، الذي يُفترص أن يكون آخر مجلس معيَّن.
ويميل القطريون إلى انتخابات تُفضي إلى مجلس على نمط مجلس الأمّة في الكويت، وهو النموذج الذي يغبط عليه الخليجيون كلّهم، الكويتيين، باعتبار البرلمان الكويتي منصّة للمعارضة الشرسة غير المعتادة في العالم العربي ككلّ، وليس في الخليج وحده، كما أن له تأثيراً كبيراً في صنع السياسة الكويتية، والحدّ من الفساد، ودفع الحكومة إلى تلبية مطالب المواطنين. لكن القطريين مدركون أنه لا يمكن القفز إلى مثل هذا النموذج، دفعة واحدة، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، كما تقول المواطنة القطرية فاطمة الخاطر على «تويتر». خلال مؤتمر صحافي في الدوحة على هامش القمة العربية في آذار/ مارس عام 2013، سأل صحافي من قناة «العربية» السعودية، رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، عن مصير انتخابات مجلس الشورى التي كانت موعودة في ذلك الربيع، والتي لم يكن هناك أيّ مؤشر إلى أنها ستجرى حينها. كان السؤال الآتي من خارج السياق، مفتَعلاً بهدف إحراج الدوحة. لم يُعطِ ابن جاسم إجابةً واضحة، فهو لم يكن يملكها. لكن كان من المفارقات الكبرى أن يأتي السؤال من محطّة تملكها السعودية، حيث لا انتخابات ولا مَن ينتخبون.
وسيكون من نتائج الانتخابات القطرية، رفْع مستوى الاستياء الشعبي في كلٍّ من السعودية والإمارات، اللتين تنتهج حكومتاهما سياسات تبعدهما عن شعبَيهما، وخاصة في التعامل بقسوة مع أيّ اعتراض سياسي داخلي، وفي سياسة التطبيع المفرطة مع إسرائيل. وهذا يَظهر علناً في حالة الإمارات، ولكنه واضح ضمناً في السعودية. الحجة لدى حكام الرياض وأبو ظبي في عدم إجراء انتخابات، هي أن المجتمع في كلٍّ من البلدين غير مهيّأ لذلك، وهذا، في نظر مواطني الدولتَين عذر أقبح من ذنب، وإهانة لهم. لكن في السعودية، ثمّة حجّة أدهى، عادة ما يعمَد الذباب الإلكتروني إلى إثارتها، وهي أن الديموقراطية على الطريقة الغربية تتعارض مع الدين الإسلامي.
وقد بدأت بالفعل الأصوات ترتفع في السعودية، بالهجوم على الحُكم بسبب عدم إجراء انتخابات. وسأل المعارض السعودي، عمر الزهراني: «بماذا يتميّز القطريون والكويتيون عنّا حتى يكون عندهم انتخابات، ولا يكون عندنا نحن؟». لكن هذه الأصوات ستتعالى أكثر، ويمكن أن تتحوّل إلى أزمة في وجه محمد بن سلمان، حين تصبح الانتخابات القطرية واقعاً، إن لم يكن لشيء آخر، فلأنه حوّل التنافس مع قطر إلى عداء شخصي، ما لبث أن ارتدّ عليه.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا