بغداد | المشهد الانتخابي في العراق شاهدٌ على تفكك العديد من الكتل السياسية والقوائم والتحالفات ذات الصبغة الطائفية، التي اعتادها العراقيون في انتخابات 2005 و2010، في وقت يلمّح فيه القادة السياسيون إلى تغيير تحالفاتهم إلى أخرى عابرة للطائفية.أبرز الكتل المتفككة هي القائمة العراقية التي تزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي في انتخابات 2010، والمتخمة بالقادة السياسيين السنّة، بينما دخلت مكونات التحالف الشيعي في قوائم منفردة لأسباب مغايرة، وتحالفات موضوعها تجديد ولاية الرئيس نوري المالكي من عدمه.

القائمة العراقية بزعامة علاوي، التي اتهمها خصومها آنذاك بالتخابر مع تركيا وقطر والسعودية لصنع قائمة «طائفية مؤطرة بإطار علماني»، حصلت على 91 مقعداً متفوقة على ائتلاف المالكي بمقعدين في انتخابات 2010، لكنها اليوم تتلاشى تحت تأثير الخلافات والصراعات السياسية الداخلية، وفقدان قواعد عريضة من جمهورها المحبط.
تشظي القائمة العراقية التي كانت تضم أبرز القيادات السنية لم يكن وليد اليوم، إذ بدأت الخلافات تظهر للعيان بعد إعلان تشكيل الحكومة العراقية عام 2010 على خلفية اتفاق أربيل وتقاسم المناصب بين الكتل والمكونات العراقية تحت مسمى حكومة الشراكة الوطنية، وخروج زعيم القائمة إياد علاوي خالي الوفاض من أي منصب، ما أثار سخط العديد من حلفائه ممن أقنعهم بالدخول في القائمة العراقية، مثل الشيخ العشائري جمال البطيخ، ورئيس إحدى الكتل النيابية الصغيرة قتيبة الجبوري، اللذين أعلنا انشقاقهما عن القائمة العراقية بعد أشهر من تشكيل الحكومة وتكوين كتلة برلمانية بمعية 7 من أعضاء قائمة علاوي سمّوها «كتلة العراقية البيضاء» التي ارتمت في ما بعد في أحضان ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.
تحولت القائمة العراقية إلى قائمة سنيّة في البرلمان لمواجهة التحالف الوطني الشيعي الذي ضم الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون، لكن «العراقية» تمزّقت داخلياً إثر انسحاب العديد من النواب العلمانيين والشيعة منها، وتناقص أعضاء الكتلة في البرلمان إلى 75 نائباً.
الانتخابات العراقية الحالية تشهد بروز العديد من قوائم المرشحين من أعضاء القائمة العراقية المفككة، إذ يرأس القيادي السنّي البارز ورئيس البرلمان أسامة النجيفي كتلة «متحدون» التي تعد الكتلة السنيّة الأبرز في الانتخابات لرفضها تجديد ولاية المالكي، فيما خرج صالح المطلك الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء والمتهم من قبل شيوخ عشائر الأنبار بالتحالف سراً مع المالكي، بالقائمة «العربية».
وبينما بقي رئيس مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة في صف الراعين للقوائم وليس القيادات المرشحة، بعد أن أعلن تشكيل تحالف من أجل الأنبار في المحافظة، انضم رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، حميد الهايس، إلى كتلة المواطن برئاسة السيد عمار الحكيم، وقتيبة الجبوري إلى ائتلاف دولة القانون.
أما من كان يدعم العراقية بالمال، فإن توجهاتهم لم تعد موحدة، إذ إن رجل الأعمال البارز خميس الخنجر المقيم في العاصمة الأردنية عمان والراعي الأكبر للقائمة العراقية سابقاً، بات يدعم كتلة النائب المعتقل أحمد العلواني المسماة «الكرامة» والمنضوية تحت كتلة «متحدون»، في حين ذهب التاجر فاضل الدباس، المعروف بصفقة أجهزة كشف المتفجرات المزيفة، نحو إنشاء قائمة باسم «ائتلاف العراق» تضم شخصيات علمانية من الشيعة والسنّة مقربة من ائتلاف دولة القانون.
وفي هذا الإطار، يشير النائب عن القائمة العراقية والمرشح عن كتلة «متحدون» حالياً مظهر الجنابي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «كتلة «متحدون» اليوم هي البديل لجماهير القائمة العراقية بالأمس»، متوقعاً أن تحصد معظم أصوات المحافظات السنيّة.
وقال الجنابي إن «تفكك القائمة العراقية كان ناجماً عن صراع عجيب على المناصب بين قادة القائمة التي مُنحت ثقة الشعب العراقي في حينها، وحصدت معظم مقاعد البرلمان، لولا قرار المحكمة الاتحادية التي لم تنصف الفائز في الانتخابات».
وكانت المحكمة الاتحادية العراقية فسّرت الفائز في الانتخابات، بحسب الدستور، بأنه التحالف صاحب العدد الأكبر من المقاعد في البرلمان، وليس الكتلة الفائزة في العدد الأكبر من المقاعد. وبناءً على ذلك شكّل التحالف الوطني الذي أنشئ في حينها 159 مقعداً (89 ائتلاف القانون و70 التحالف الوطني) من أصل 325 نائباً.
ويتوقع المراقبون أن يشهد علاوي خسارة قاسية هذه الانتخابات بعد دخوله بمفرده في قائمة «الوطنية»، وذلك مع ظهور قائمة «التحالف المدني الديموقراطي» العلمانية المدنية التي استقطبت اهتمامات وميول وتوجهات جمهور العلمانيين والليبراليين العراقيين، والتي تضم القوى المدنية والحزب الشيوعي وحزب الأمة وحزب الشعب، فضلاً عن شخصيات ليبرالية مستقلة.
«الائتلاف الوطني العراقي» هو الآخر شهد تفككاً، لكن الأسباب لم تكن صراعات داخلية، بل بسبب قانون الانتخابات الجديد (سانت ليغو المعدل)، الذي يميل إلى القوائم والكتل المتوسطة وليس الكبيرة، كما في انتخابات 2010، أو الصغيرة كما في انتخابات مجالس المحافظات 2013.
«الائتلاف» كان ضم كلاً من المجلس الأعلى الإسلامي برئاسة عمار الحكيم وكتلة الأحرار بزعامة مقتدى الصدر وحزب الفضيلة بزعامة رجل الدين الشيخ محمد اليعقوبي وتيار الإصلاح بزعامة رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، والمؤتمر الوطني برئاسة أحمد الجلبي، فضلاً عن منظمة «بدر» برئاسة وزير النقل الحالي هادي العامري، وحزب الله العراق برئاسة أبو مصطفى الشيباني، وقوى سياسية شيعية أخرى.
مكونات التحالف الشيعي دخلت في قوائم منفردة مع تحالفات بسيطة وضم شخصيات مؤثرة جديدة، وسط مؤشرات على اختلاف التحالفات المستقبلية، لا سيما أن المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري أعلنا تحالفاً استراتيجياً في ما بينهما، يرفض بشكل صريح تول
ّي المالكي ولاية ثالثة، بينما تدخل منظمة «بدر» ضمن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، وتتحالف قائمة حزب الفضيلة مبدئياً معه.