تتوالى الخلافات السياسية في تونس على خلفية التناقض الدستوري في صلاحيات كلّ من رئيسَي الجمهورية والحكومة في دستور عام 2014.وبالتوازي مع غياب الحوار بين رأسَي السلطة، قيس سعيد وهشام المشيشي، إثر نزاعات متعلقة بالتعديل الحكومي الذي قام به المشيشي، ورفض سعيد له، اشتعل فتيل الخلافات، هذه المرة، على خلفية رفض سعيّد ختم التعديلات على فصول جديدة في قانون المحكمة الدستورية لتسهيل عملية انتخاب الأعضاء، وردّه للمرة الثانية للتعديل. وبذلك، لم يبصر القانون النور كما كان متوقعاً.

وفيما أثار رفض سعيد، نهاية الأسبوع الماضي، إقرار مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية، استياء الأوساط السياسية، يأتي الرفض اليوم ليزيد المشهد السياسي تعقيداً. السبت الفائت، رفض سعيد التصديق على قانون المحكمة، عقب مصادقة النواب في 25 آذار الفائت، وأرجعه إلى البرلمان لعرضه للتعديل، معلّلاً ذلك برسالة تفسيرية طويلة بخطّ يده إلى البرلمان، يُبيّن فيها أن تنقيحاته غير قانونية وجاءت بعد الآجال الدستورية، إذ نصت الفقرة الخامسة من الفصل 148 على أنه «يتم في أجل أقصاه سنة من هذه الانتخابات إرساء المحكمة الدستورية». وأشار سعيد إلى أنه «لن يقبل أبداً بأن توضع النصوص القانونية على مقاس الحكام لتصفية الحسابات».

ووفق الدستور، الذي يمنح سعيّد الحق في أن يردّ نصّ القانون للبرلمان لقراءة ثانية، يتوجّب أن يصادق البرلمان عليه بثلاثة أخماس أعضائه، أي بـ 131 صوتاً، وإلا ستسقط التعديلات. وفي حال المصادقة، يصبح أمام رئيس الجمهورية حلّان. إما أن يطبق الفصل 80 الذي يقضي بختمه من قبل رئيس الجمهورية والإذن بنشره في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، أو يطبّق الفصل 120 الرامي إلى الطعن فيه لعدم الدستورية.

وخلال لقاء جمع سعيد مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء، يوسف بوزاخر، اليوم، أكد سعيّد أهمية استقلالية القضاء، قائلاً إن «الدولة لن يستقيم أمرها إلا بقضاء عادل». وشدّد على أهمية التسريع في البت في القضايا وتطبيق القانون، متأسفاً أن «هنالك قضايا جارية لمدة أعوام دون عقاب». وتساءل قائلاً «ما فائدة القانون إذا لم يطبق». وفي رده على سعيد، أشار بوزاخر إلى وجود قضايا متشعبة وبعض القضايا تستوجب سنوات للبتّ فيها، لكن رئيس الجمهورية تمسك بضرورة التسريع في البتّ في هذه القضايا، داعياً إلى مراجعة التكوين في المعهد الأعلى للقضاء من أجل تطويره.

وقد شملت التنقيحات المدخلة على قانون المحكمة الدستورية الفصول 10 و11 و12 من القانون الأساسي الحالي للمحكمة الدستورية، والتي تعلقت بالخصوص بمرور مجلس النواب إلى انتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية بالاقتراع السري بأغلبية الثلاثة أخماس في ثلاث دورات متتالية في صورة لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة (145 صوتاً) بعد ثلاث دورات.
كما ألغيت أحكام الفقرة الفرعية الأولى من الفصل 11 من قانون المحكمة الدستورية والتي تتعلق بتقديم الكتل النيابية مرشحين لعضوية المحكمة. كما تم التصويت على مقترح ينص على أن تحذف عبارة «تباعاً» الواردة في الفصل 10 من القانون بشكل لا يحيل على ترتيب إلزامي في اختيار المجلس الأعلى للقضاء ورئاسة الجمهورية لأعضاء المحكمة الدستورية، وربط ذلك باستكمال البرلمان لانتخاب 3 أعضاء.

تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية هيئة قضائية تم إقرارها بموجب دستور 2014، وتضم 12 عضواً، 4 منهم ينتخبهم البرلمان، و4 يختارهم «المجلس الأعلى للقضاء»، و4 يعيّنهم رئيس الجمهورية. وتتمثل مهمة المحكمة الدستورية في مراقبة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين، والقوانين، والنظام الداخلي للبرلمان، وتبتّ في استمرار حالات الطوارئ، والنزاعات المتعلقة باختصاصي الرئاسة والحكومة.