مرحلة جديدة من الصراع «الجهادي» دشّنها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». جاء ذلك عبر تسجيل صوتي جديد للمتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني (طه صبحي فلّاحة). التسجيل الذي حمل عنوان «ما كان هذا منهجنا ولن يكون»، نشرته «مؤسسة الفرقان» ليل الخميس ــ الجمعة، وجاءَ ردّاً على آخر تسجيل صوتي لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري. وفي تطور لافت، وسّعت كلمة العدناني نطاق الصراع الدائر بين «داعش» و«جبهة النصرة»، عبر مهاجمة تنظيم «القاعدة» وقيادته الحالية، تصريحاً، لا تلميحاً.
الأمر الذي قد يفتح الباب أمام حرب تنظيمات أصولية، يتجاوز نطاقها الأراضي السورية. ووصف المتحدث قيادة «القاعدة» بـ«الانحراف عن منهج الصواب»، وبأنها «لم تعد قاعدة الجهاد». وقال «ليست بقاعدة الجهاد من يتخندق في صفها الصحوات والعلمانيون (...) ويقتلون المجاهدين بفتاواها». كذلك اتهمها بالتحول إلى أداة «لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة القادمة».
وحفلت الكلمة بسلسلة طويلة من الاتهامات لـ «القاعدة» وحلفائه. فهم «أضعفوا المجاهدين، وشمّتوا بهم الكفار، وقوّوهم عليهم، وزادوا من معاناة المسلمين المستضعفين. (...) شقوا صف المجاهدين، وبدأوا بحرب دولة للإسلام، قامت على دماء وجماجم الموحدين». وأرجع العدناني الخلاف بين تنظيمه والقاعدة إلى «خلاف على المنهج»، وقال: «إن الخلاف بين الدولة والقاعدة ليس على قتل فلان، أو على بيعة فلان، (...) ولكن القضية قضية دين اعوجّ، ومنهج انحرف». وحمل كلامه ما يبدو مقدمةً لتكفير زعامة «القاعدة»، حيث شكّك في «عقيدة الجهاد» لدى التنظيم، الذي «استبدل بالصدع بملة إبراهيم، (...) منهجاً يؤمن بالسلمية، ويجري خلف الأكثرية. يستحي من ذكر الجهاد والصدع بالتوحيد، ويستبدل بألفاظه الثورة، والشعبية، والانتفاضة، والنضال...».
وكشف العدناني عن تلقي «داعش» وعوداً ومساومات مقابل عودته إلى العراق «خلف سواتر سايكس وبيكو. فما زالوا بها يزيّنون لها العودة بالمراسلات، وإلى ما قبل ثلاثة أشهر، ويهددونها على ذلك ويساومونها». وأعلن تمسّك تنظيمه بمواقفه «مهما كان الثمن»: «هذا منهجنا الذي لن نحيد عنه إن شاء الله، حتى لو قاتلتنا القاعدة عليه، حتى لو أُبِدنا ولم يبقَ سوى رجل واحد منا عليه». وأضاف: «سيبقى منهج الدولة: الكفر بالطاغوت، وإعلان البراءة منه ومن أهله، وجهادهم بالسيف والسنان، والحجة والبرهان، فمَن وافقها: رحّبت به، ومن خالفها: فلن تلقي له بالاً». وأكّد الاستمرار في سبيل تحقيق «حلم الخلافة»، فقال: «ماضون على طريق الخلافة. (...) ولنعيدنّ مجدها، بدمائنا، وجماجمنا، وأشلائنا». وأبدى ثقته باستمرار «توافد المهاجرين إلى دولة الإسلام، حتى لو كُبّلوا بالسلاسل، وغُيّبوا في الزنازين». ولم تخلُ الكلمة من تهديد، مصحوب بسخرية واضحة: «إن هؤلاء يستبيحون دماءنا ويستحلونها ويقتلوننا، فإن تركناهم: أبادونا، وإن دافعنا عن أنفسنا ورددنا عليهم: بكوا في الإعلام، ووصفونا بالخوارج».

«التجربة العراقية» ردّاً على «الجزائرية»

وبدا لافتاً حرص العدناني على التمسك بـ«العمق العراقي» لـ«داعش». وعلى تأكيد الانتماء إلى منهج أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فاضل الخلايلة، أحد أبرز الرموز الجهادية، وزعيم القاعدة في العراق. قُتل عام 2006). واشار، في الوقت نفسه، إلى استحالة عودة «القاعدة» إلى العراق، بعدما «أعلن أمير الدولة (المؤسس أبو عمر البغدادي، واسمه حامد داود خليل الزاوي، قُتل عام 2010)، والوزير المهاجر (عبد المنعم عز الدين علي البدوي. اشتهر باسم أبو أيوب المصري، وقُتل عام 2010) رحمهما الله حلّ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وإلى غير رجعة». وفي ما يبدو أنه ردّ على تذكير الظواهري في كلمته السابقة بـ«التجربة الجزائرية»، قام العدناني باستذكار «التجربة العراقية»، لافتاً إلى أنه «ولما كان المجاهدون في العراق من أحرص الناس على الجماعة ووحدة المسلمين؛ سارع الشيخ أبو مصعب الزرقاوي لبيعة الشيخ أسامة (بن لادن) رحمهما الله؛ سعياً لتوحيد كلمة المسلمين، ولإغاظة الكفار، ورفع معنويات المجاهدين». ما يحمل في طياته تأكيداً على أن «البيعة» لم تكن استقواءً، بل العكس، حيث «توالت في إثرها بيعات مماثلة من باقي الأقطار». ما يُفهم منه أن «داعش» يعدّ إعلان «المفاصلة» من خلال كلمة العدناني مقدمة لتفكك «القاعدة».
وتعليقاً على الكلمة، قال مصدر «جهادي» لـ«الأخبار» إن «داعش قد تماد في غيّه. ووصل الأمر بغلاته إلى حدّ التطاول على رمز الجهاد الأوحد في هذا الزمان». وأضاف المصدر السوري المحسوب على «النصرة» إن «الأقنعة قد كُشفت تماماً. وما من عاقل إلا تبيّن أن هؤلاء صنيعة استخبارية، ترمي إلى تقويض الجهاد. ووالله إن الجهاد لن يستقيم ما لم يُجتث الغلاة من أرض الشام». وأكد أنّ «أسود النصرة من مهاجرين وأنصار، ومن والاهم من سائر المجاهدين لقادرون على ذلك، وكما طردناهم من حلب سنطردهم من كل بقعة من أرضنا الطاهرة». وختم بالقول «على أن الردّ البيّن سيكون على لسان شيخنا الظواهري. الذي ننتظر كلمةً مباركةً منه. تكونُ فاتحةً لعهد جديد».




«براءة» منسوبة إلى «نائب الزرقاوي»

في ردّ إعلامي سريع على تمسك «داعش» بانتمائه «الزرقاوي»، تداولت مواقع «جهادية» رسالة منسوبة إلى «جهادي» من الرعيل القديم. وهو لؤي السقا (أبو الربيع الشامي)، الذي يوصف بأنه «نائب الزرقاوي» و«الرجل الثاني في الجهاد العراقي». وجاء في الرسالة: «بصفتي أحد الذين أكرمهم الله عز وجل بالعمل مع الزرقاوي في مراحل مبكرة وخدمة الجهاد كمساعد له. (...) أعلن براءة الشيخ أبي مصعب الزرقاوي والقادة الأوائل رحمهم الله وبراءتي مما تقوم به جماعة الدولة من غلو وإطلاق أحكام التكفير على الجماعات المجاهدة واستباحة دماء المسلمين، وخطف وقتل المجاهدين، واغتيال قادتهم ومن جميع ممارساتها المنحرفة». وأكدت الرسالة أن أعمال «داعش» أعمال «مخالفة للأصول الشرعية المثلى. ولا يمكن أن تكون موافقة لنهج الزرقاوي». ووجهت الرسالة نصيحة إلى المقاتلين تحت لواء «داعش» مفادها «توبوا إلى الله، وانزلوا على شرعه. وفارقوا هذه الجماعة قبل أن تُورطوا أنفسكم أكثر في دماء المجاهدين وتدمير الجهاد في بلاد الشام».
يُذكر أن السقا معتقل في سجن «كاندرا» التركي، منذ عام 2005، على خلفية اتهامه بالإعداد لتفجير سفينة سياحية إسرائيلية في ميناء أنطاليا.