القاهرة | بعد أقلّ من عام على إصدار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تشكيل الهيئات الإعلامية والجدل الذي صاحب اختيار بعض الأعضاء، يبدو أن إعلام «المحروسة» قاب قوسين أو أدنى من فضيحة جديدة على غرار فضيحة «لوسي آرتين» التي أطاحت المشير أبو غزالة وعدد من كبار الشخصيات في تسعينيات القرن الماضي. المقارنة هذه المرّة، ليست من باب المبالغة، وخاصة أنّ مَن عقدها هو رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، الدكتور أيمن منصور ندا، الذي فتح النار على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو بديل وزارة الإعلام بموجب الدستور.ندا الذي انتقد سابقاً، في سلسلة مقالات، تغلغُل المخابرات في الإعلام، اختار الكشف عن جزء من شبكة علاقات المذيعة رانيا هاشم التي تشغل عضوية المجلس، وتُعدُّ الذراع اليمنى لرئيسه كرم جبر، والأخير كان قد خرج بعد «ثورة 25 يناير» من رئاسة مجلس إدارة مؤسسة «روز اليوسف» مضروباً بالأحذية، لكنه اليوم ــــ بعد أقل من تسع سنوات ــــ بات على درجة وزير للإعلام، وابنته الشابة مي عضو في مجلس النواب. أما سبب المقارنة التي عقدها أستاذ الإعلام، فهو نفوذ المذيعة الأربعينية ومساعيها إلى السيطرة على المشهد الإعلامي، التي وصلت إلى حدّ التلويح بقدرتها على إبعاد زملائها بحكم موقعها في المجلس رئيسةً للجنة متابعة الحالة الإعلامية، فضلاً عن النفوذ الذي تدّعيه لدى كبار رجال الدولة، وهو أمر ليس جديداً عليها منذ عملها في التلفزيون المصري إبّان عهد محمد حسني مبارك.
هذه الإعلامية تُقدِّم برنامجاً مرّتَين أسبوعياً على شاشة «إكسترا نيوز» الإخبارية، وتوصف بأنها «مخبرة» على زملائها، كما تلعب دوراً مزدوجاً في نقل وتبادل المعلومات، بل تنقل أحياناً إساءات سريّة من زملائها إلى مرؤوسيهم لمصلحة القيادات، وذلك من أجل الحصول على رضاهم. ومع أن برنامجها لا يحظى بنسبة مشاهدة ولا يختلف عن أيّ برنامج آخر، فإنها، بحكم علاقاتها، تحصل على راتب يفوق خمسة آلاف دولار شهرياً، وهو من أعلى الرواتب في القناة، مقارنة بزملائها الأكثر تأثيراً وعدداً في ساعات العمل. حتى إنها لم تنجح في الدفاع عن مشروعات الدولة نتيجة تلعثمها الدائم وأخطائها اللغوية الفجّة.
مع ما سبق، توصف هاشم داخل «ماسبيرو» بأنها السيدة الأقوى التي تدير وتتحكّم في جميع الأمور والقرارات التي يتّخذها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، على رغم حداثة عمرها وقلّة خبرتها مقارنة بالخبراء والمتخصصين الذين يضمّهم المجلس. لكن قربها بشكل مبالغ فيه من رئيس المجلس ومرافقتها الدائمة له، جعلا نفوذها يتخطّى حدود عضوية المجلس على غرار باقي زملائها، بل تنقل رسائل صوتية من مجموعات «واتسآب» المغلقة، بجانب ما يقال عن تسجيلها بعض المكالمات واحتفاظها بها. وهي تدير عملها من المكتب الفخم الذي يدار منه «ماسبيرو» والقنوات الخاصة في مبنى التلفزيون لساعات طويلة بشكل شبه يومي، لكن الهدف الرئيسي ليس العمل وفق المهام، كما تنقل مصادر، بل من أجل استغلال شبكة علاقاتها المتشعّبة وتوظيفها بما يخدم أهدافها ويقصي معارضيها ومنتقديها أو مَن لا تشعر بالرضى عنهم، وهو أمر يتردّد منذ مدّة طويلة، ولا سيما مع كشفها بعض القرارات التي ستصدر قبل صدورها إلى موظفي مكتب رئيس الهيئة.
يبدو أن إعلام «المحروسة» قاب قوسين أو أدنى من فضيحة جديدة


ندا، الذي اختير للعمل مع المجلس الأعلى فور تشكيله وشغل عضوية لجنة تراخيص شركات بحوث الرأي والمشاهدة والتحقّق من الانتشار، يستند إلى مصادر مطّلعة في وصف ما يتكشّف من تفاصيل عن نفوذ رانيا وعلاقاتها وما أدخلته إلى المجلس خلال بقائها في مكتب رئيسه، فضلاً عمّا يُثار حول تضخُّم ثروتها بشكل مبالغ فيه ولا يتفق مع دخلها خلال الفترة الماضية، الأمر الذي تقول بعض المصادر إنه قيد التحقيق. بل تجاوز ما تقوم به من نقل معلومات، الحدود الآمنة؛ فالسيدة التي تحضر لقاءات مغلقة تنقل خارجها أكثر مما يجب، وهو ما أزعج جهات عدةّ متضايقة أساساً من النفوذ المتزايد لها، وخاصة أنه لم يتوقّف على رغم الرسائل غير المباشرة التي وصلتها في الأسابيع الماضية. مع ذلك، لم تستطع الظهور بنفسها والدفاع ضدّ الاتهامات التي تواجهها، أو حتى تردّ على اتهامات أستاذ الإعلام، بل فضّلت أن تستغل شبكة علاقاتها للدفاع عنها في محاولة أخيرة منها للبقاء.
لجأت رانيا، أو «لوسي آرتين» كما أصبحت توصف في الإعلام بعد مقالة ندا، إلى تقديم شكوى في المجلس القومي للمرأة بصفتها متضرّرة ممّا كتب عنها. كما دفعت رئيس المجلس، كرم جبر، إلى إصدار بيان يتضمّن تأكيداً بالتوجه إلى النائب العام في بلاغ رسمي، جراء ما وصفه بـ«التجاوزات» التي قام بها أستاذ الإعلام بحق المجلس، من دون الإشارة إلى رانيا نفسها باعتبار أن المقالات السابقة حملت ما يمكن وصفه بـ«السب والقذف» لرئيس المجلس وأعضائه.
هذه المرّة، قرر المجلس التحرُّك قضائياً ضدّ أستاذ الإعلام، بعدما وضع يده على نقطة ضعفه، السيدة التي تأمر وتنهي وتمارس صلاحيات ليست من اختصاصها بل تتباهى بها في لقاءاتها، كما أنها تنفق من ميزانية المجلس بما يخدم مصالحها، وهو ما ظهر في الرحلات التي يجري تنظيمها في الفترة الأخيرة، وتكلّف خزانة المجلس. والسؤال: هل سيكون الإعلام المصري وكبار مسؤوليه على موعد مع فضيحة جديدة تشبه ما حدث مع لوسي آرتين، أم سيتم الاكتفاء بتهميش هاشم وإقصائها من المشهد؟

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا