حمص | تستقبل مدينة حمص زوّارها عبر المدخل الجنوبي من جهة دمشق، عبر حاجز أمني بعدّة مسارب. يكاد يكون هذا الحاجز، إلى جانب ثلاثة حواجز أخرى على مداخل المدينة، هو كلّ ما يذكّر زائر المدينة بأن حمص شهدت أحداثاً دامية منذ الأشهر الأولى لاندلاع الأزمة السورية عام 2011. الطريق من المدخل الجنوبي يقود، عبر دوّارَي الثامن من آذار ودوار الرئيس، إلى السوق الذي يُعدّ نقطة ربْط مختلف الأحياء بعضها ببعض. ومن هنا، أي السوق، تبدأ مشاهد الدمار وشواهد الحرب الباقية على كثرتها، من الخالدية إلى جورة الشياح، فالقرابيص، مروراً بالقصور وكرم شمشم وأحياء أخرى، وسط ازدحام وحركة مرورية كثيفة يعزّزان مؤشّرات عودة الحياة إلى المدينة.
مذكّرات مدينة
خلّفت الحرب وراءها آلاف الشهداء والجرحى والأسر المتضرّرة والعوائل المنكوبة من أبناء مدينة حمص وأريافها. كانت شرارتها قد اندلعت في أيّام التظاهرات الأولى مع مقتل المستخدم المدني في "نادي ضبّاط حمص"، عادل فندي، ضرباً بالعصيّ والحجارة من قِبَل المتظاهرين، ومن ثم مقتل الشرطيّ عصام حسن، لتتوالى لاحقاً الأحداث الدامية، من إعدام المدنيين عبر رميهم بالرصاص أو ذبحهم وسحلهم في الطرقات وأمام المدارس، كما حصل على جدار "مدرسة يوسف العظمة" في وادي السايح. وفي حيّ الخالدية، بُقِرت بطون ممرّضات اختُطفن من المشفى الوطني، لتتتالى الأحداث مروراً بقلْع أعين شباب فريق تطوُّعي محلي، وكذلك خطف وإرسال الجثث المقطّعة إلى مشارف الأحياء. كلّ ذلك حصل قبيل دخول الجيش رسمياً إلى حمص. بسرعة وبساطة، ظهر السلاح في أيدي جماعات سيطرت على أحياء تمثّل أكثر من نصف المدينة، فتقطّعت أوصال حمص، وانقطعت المناطق بعضها عن بعض، وصارت الحدود المتداخلة نقاط تماسٍ ومسرحاً للمعارك.
كذلك، حوصرت أحياء كاملة في المدينة بتهمة أنها "مؤيّدة للنظام"، كما حيّ الزهراء الذي خضع للحصار قرابة عام كامل، فضلاً عن عشرة أحياء أخرى وقعت جميعها تحت سيطرة المسلّحين. وقتذاك، برزت أسماء مسلّحين امتهنوا الخطف والقتل، وعلى رأسهم بلال الكن، قبل أن يُقتل لاحقاً. ومن ثمّ ظهرت أسماء وشخصيات جديدة تولّت قيادة جبهات المسلّحين، ومنهم عبد الباسط الساروت، المنشد والمحرّك الحماسي في حيّ الخالدية، والذي قُتل لاحقاً أيضاً؛ وعبد الرزاق طلاس الذي يُعدّ من أوائل الضبّاط المنشقّين عن الجيش السوري، ومؤسّس وقائد "كتائب الفاروق" التي تمركزت أولاً في الخالدية وبابا عمرو، والذي فرّ لاحقاً خارج البلاد.
خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، افتُتح نحو 165 متجراً إضافياً في المدينة


شكّل تحرير حيّ بابا عمرو أولى إشارات اندحار المسلّحين عن حمص. "سكاي نيوز" أطلقت على الحيّ لقب "عين الثورة"، ويوم تحريره في آذار 2012، عنونت القناة نفسها: "اغتيال (عين الثورة) في مدينة حمص"، لتكرّ بعدها سُبحة الأحياء الحمصية التي عادت إلى سيطرة الجيش السوري، بعدما أُريد لها أن تكون مركز ثقل المسلّحين وقوتهم. وفي الريفين الغربي والشمالي، كان لمدينتَي القصير والرستن دور مفصليّ في احتضان المسلّحين، وكان تحريرهما، وتحديداً القصير، نقطة فاصلةً في مسار تراجع سيطرة هؤلاء.

نشاط اقتصادي
بعد عشر سنوات، عادت المؤسّسات والمنظّمات والشركات والمديريّات للعمل في مواقعها السابقة قبل الحرب، وفي سوق المدينة المركزي تحديداً. وشهدت المدينة، في السنتين الأخيرتين، حالةً من التعافي والاستقرار على الأصعدة وفي القطاعات كافة. يتحدّث محافظ حمص، بسام بارسيك، إلى "الأخبار"، عن عودة يومية وكثيفة للمهجّرين والنازحين إلى حمص، ويقول: "نعمل الآن على تأمين الخدمات لكل المناطق، وضمناً المناطق التي يعود إليها النازحون، من كهرباء ومياه وصرف صحي، وفتح طرقات وإزالة أنقاض". ويرى بارسيك أنه "لا يمكن أن تكون عودة الناحين مستدامةً إذا لم تكن مترافقة مع عودة النشاط الاقتصادي (...) لذا يتمّ التركيز الآن على تحريك وتحفيز النشاط الاقتصادي، وضمناً الأسواق الرئيسية الموجودة في مركز المدينة". ويشير إلى أنه "خلال الأعوام الخمسة الماضية، تمّ افتتاح نحو خمسين محلاً تجارياً في منطقة سوق الناعورة في مركز المدينة، وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، تمّ افتتاح نحو 165 متجراً إضافياً في السوق نفسه، وتجري عمليات الترميم لحوالى 100متجرٍ آخر، ولدينا مئات الطلبات من المواطنين والتجّار للعودة إلى محالّهم".

إعادة الإعمار
وضعت محافظة حمص المخطّطات التنظيمية للمناطق، بينما يجري العمل الآن على رفع الأنقاض وإزالة المباني الآيلة إلى السقوط، بالتزامن مع تحفيز القطاع الخاص والعمل على تنشيطه عبر منحه العديد من التسهيلات. وفي المخطّطات الجديدة، سُمح ببناء طوابق إضافية، فيما قُدّمت تسهيلات لتشجيع المواطنين على إعادة الإعمار وترميم المهدّم. ويبدو أن عجلة إعادة الإعمار ــــ حتى الآن ــــ مرهونة بالعامل المحلّي والكفاءات السورية على الصعيدَين الصناعي والعمراني، طالما أنه لا حديث رسمياً عن إعادة إعمار دولية تشارك فيها دول أجنبية ذات قدرات هائلة. وكان محافظ حمص السابق، ووزير التجارة الداخلية حالياً، طلال البرازي، قد وعَد، خلال مدّة خدمته في حمص، بإعادة إعمار شاملة، مؤكداً أن المخطّطات جاهزة وستوضع حيّز التنفيذ، وقد حصلت على الموافقات، إلّا أنه اتَّضح أن العملية تحتاج إلى قرار سياسيّ وسيادي يتخطّى صلاحيات محافظ.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا