بعدما أُغلقت أبواب الخارج أمامه بسبب مواقفه السياسية، عاد الكاتب المصري، جمال الجمل، إلى القاهرة بصورةٍ مفاجئة؛ لكن الكاتب الذي قرّر العودة من تركيا طوعاً، لم يخرج من مطار القاهرة، حيث جرى توقيفه لمدّة يومين قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة العليا التي قرّرت حبسه على ذمة التحقيقات الجارية في القضية الرقم 977 لسنة 2017، وهي واحدة من القضايا المفتوحة التي لم تُغلق حتّى اليوم. يكتسب الجمل أهميّة استثنائية، لا لمحاولته الانتقاد من الداخل كما حاول النظام، في السابق، تصويره، فضلاً عن اتصال السيسي شخصيّاً به عام 2015 لمناقشة انتقاداته الموضوعيّة لما يحدث في مصر، ولكن أيضاً لاستمرار خطّه في المعارضة الوطنية التي ترفض الانسياق وراء الانتقاد لمجرّد الانتقاد، وهو ما جعله غير متوافق مع المنابر المعارضة التي حاولت استقطابه للعمل لديها في تركيا في خلال السنوات الماضية.عاش جمال الجمل مطارَداً في خلافات مع "الإخوان" في تركيا، ولم يحاول استغلال موقفه في طلب أيّ امتيازات إضافية. وأعلن، قبل مدّة، رغبته في العودة إلى مصر، لكن من دون أن يتلقّى أيّ إشارة ترحّب بوصوله، ليتّخذ قراره بالعودة منفرداً، ومن دون أن يبلغ حتّى أسرته التي فوجئت بتوقيفه بعد يوم كامل من وصوله إلى القاهرة. وبعد محاولة ترويضه من قِبَل السيسي شخصياً، تعرّض جمال الجمل للاضطهاد؛ وبانتقاله إلى جريدة "المصري اليوم" لكتابة مقالات، فوجئ بتوقيف مالك الجريدة، صلاح دياب، على خلفية مقالاته، كما أنه واجه مشكلات برفض توظيفه في مصر، ما جعله يقبل عرضاً للظهور من تركيا، حيث يتاح له الحديث كما يشاء بعد منعه في الإعلام المصري.
صعوبة ترويض الجمل تقف عائقاً أمام إخلاء سبيله


خلال سفر جمال الذي استمر نحو 4 سنوات، لم يظهر على الشاشة سوى مرّات معدودة، بل إنه قام بالدفاع عن السيسي في بعض الأحيان بسبب مواقف اتّخذها الرئيس المصري. لكن أبرز معارضاته جاءت على خلفية التنازل عن جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية. أما القضيّة التي تم بموجبها إيداع جمال الجمل السجن مؤقّتاً، على رغم حالته الصحية المتدهورة، فهي نفسها القضيّة المفتوحة بعشرات الأسماء غير المعلومة، والتي جرى تكييف اسمه فيها. تضمّ القضية أسماء كثير من الصحافيين الذين يواجهون اتهامات بالعمل مع جماعة "الإخوان"، وتشكيل تحالف إعلامي مع الجماعة - المصنّفة حكوميّاً وقضائياً جماعة إرهابية -، من أجل تشوية صورة النظام. اتهامات مسبقة جاهزة لا يجري التحقيق فيها، وتُقتطع أجزاء من الأحاديث الصحافية لمجرّد استصدار قرارات بالحبس الاحتياطي حتى إشعار آخر.
المؤكد أن العودة الطوعية لجمال الجمل ستسهم في تحسين موقفه، خاصة أن مواقفه خلال العامين الأخيرين تحديداً ليس فيها ما يمكن أن يؤخذ عليه. لكن في المقابل، ثمة إشكاليات تواجهه، من بينها عدم تفاعل نقابة الصحافيين مع قضيته بشكل رسمي، على رغم كثرة الضغوط من أعضاء مجلسها. لكن كون الجمل ليس نقابياً، يجعل تحركات النقابة لا تأخذ طابعاً رسمياً. في المقابل، فإن كثر من مؤيّدي النظام يسعون إلى أن تكون عودة جمال بمثابة بداية لصفحة جديدة مع شخصيات أخرى مماثلة، لكن صعوبة ترويض الجمل الذي لم يستجب لرسائل السيسي شخصياً قبل عدة سنوات، تقف عائقاً أمام إخلاء سبيله.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا