القاهرة | صفحة جديدة في العلاقات بين النظام المصري والنظام الجديد المنتخَب في ليبيا لقيادة المرحلة الانتقالية بدأت رسمياً، مع زيارة رئيس الوزراء الليبي المكلّف، عبد الحميد دبيبة، القاهرة أمس، والتي التقى فيها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومدير المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية، سامح شكري، وهي لقاءات نُظر إليها على أنها أهمّ بكثير من اجتماعه مع نظيره المصري، مصطفى مدبولي. ولا يبدو أن الصفحة الجديدة تلك تشمل أيّ محاسبة عن مرحلة حكومة «الوفاق الوطني» بقيادة فائز السراج، خاصة مع اتّباع القاهرة لغة الحوار ووقف الحديث عن أيّ تدخُّلات في الشأن الليبي، بما في ذلك دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لا تخلّياً عنه، لكن «احتراماً لما سيستقرّ عليه الليبيون» خلال المرحلة المقبلة، كما تنقل مصادر مطّلعة على الملفّ.وبخلاف التعليقات الإيجابية الصادرة عن دبيبة بشأن «الشراكة مع مصر» و«التعاون في المستقبل»، أطلق الرجل رسائل بعودة التنسيق بين القاهرة والنظام الليبي بعد سنوات من القطيعة، ما ستكون له آثار إيجابية عدّة، ولا سيما من ناحية التعاون السياسي والدعم الدولي والمساندة التي ترغب القاهرة في تقديمها إلى الحكومة الجديدة، فضلاً عن الحضور المباشر على الأرض قريباً عبر مشروعات ونشاط سياسي في طرابلس بعد غياب. وبتنسيق من المخابرات، تعيد مصر تجهيز سفارتها في العاصمة الليبية، كما أنها قاب قوسين أو أدنى من إعادة الرحلات الجوية المباشرة، إلى جانب فتح الحدود وتسهيل الحركة، وهو ما سيتمّ تباعاً ضمن سلسلة خطوات تُنسّقها المخابرات وتسعى بها إلى إحداث تأثير حقيقي في المشهد الليبي.
اللافت هو صدور تعليمات بالحذر في التطرُّق إلى الشأن الليبي من المحسوبين على النظام، ولا سيما في ما يتعلّق بوضع رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش خليفة حفتر، في وقت يدور فيه حديث عن سيناريوات مرتبطة باستقالة حفتر، وطرح نفسه مرشَّحاً للرئاسة عند التأكُّد من موعد إجراء الانتخابات، الأمر الذي يحظى بدعم غير معلن من القاهرة وحلفائها في الخليج. وعلى رغم أن ثمة قضايا جدلية بين القاهرة وطرابلس، في مقدّمتها اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين السراج وتركيا وما تبعه من إجراءات، لكن السيسي لم يتحدّث عن المسألة صراحة في الاجتماع المغلق، مُفضّلاً إرجاء أيّ حديث إلى ما بعد تشكيل الحكومة، ومُرحِّباً بلقاء موسّع مع الوزراء بعد اختيارهم للتنسيق والتعاون مع نظرائهم المصريين.
ويرتبط جزء من العرض المصري بالرغبة في الحصول على حصّة في إعادة الإعمار، عبر شركة «المقاولون العرب» وبعض الشركات المصرية في مجال البناء، وهو ما يجري التوسُّع في الحديث عنه ودراسته وتقديمه إلى الجانب الليبي. كما يراهن كامل على قدرته على التأثير في صنّاع القرار، خاصة مع غياب تونس والجزائر عن المشهد نتيجة المشكلات الداخلية لديهما. وممّا يدعم تلك الرهانات اختيار دبيبة القاهرة لتكون محطّته الأولى في الجولات الخارجية، قبل زيارة مرتقبة إلى أنقرة لن تتأخّر كثيراً بدورها، لأسباب في مقدّمتها سعي رئيس الوزراء المكلّف إلى الحفاظ على التوازن بين الفرقاء، فضلاً عن التوافق العلني بينه وبين مختلف الأطراف الدولية حول إبعاد المرتزقة، على رغم رصد وصول دفعات جديدة منهم إلى ليبيا.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا