جرياً على عادتها، تتكتّم قوات صنعاء، على المستوى الرسمي، عن تفاصيل المجريات الميدانية في محافظة مأرب، إلى حين الانتهاء من مهمّتها، حيث سيخرج الناطق باسمها، العميد يحيى سريع، ليعلن في مؤتمر صحافي النتائج موثّقةً بالأرقام والمشاهد المُصوَّرة. أمّا ما يُنشر حالياً، فمصدره التسريبات وإفادات شهود العيان والنشطاء. وفي آخر ما نشره هؤلاء قبل يومين، مشاهد لعناصر الجيش و»اللجان الشعبية» وهم على ضفاف سدّ مأرب التاريخي، الذي كان احتلاله من قِبَل قوات التحالف السعودي ــــ الإماراتي قد حَفَر عميقاً في وجدان اليمنيين، واستفزّ مشاعرهم، وأثار غضبهم، وخصوصاً لما ينطوي عليه من مفارقة بين واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية في العالم والتي يمتدّ عمرها إلى أكثر من سبعة آلاف عام، وبين غزاة جدد بلا تاريخ أو حضارة ولا يتعدّى عمر دولهم بضعة عقود من الزمن. ما يجدر التذكير به، هنا، هو أن سدّ مأرب يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، وتحديداً إلى القرن الثامن، ويُعتبر أحد أقدم السدود في العالم، الذي كان يروي قرابة 98,000 كلم مربّع، وعدّه الباحثون معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية، على رغم أنه ليس الوحيد ولا الأقدم الذي بناه السبئيون، إذ أظهرت الآثار أن هؤلاء حاولوا حصر المياه والاستفادة من الأمطار منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد.
سيطر تحالف العدوان على سدّ مأرب نهاية الشهر التاسع من عام 2015

نهايةَ الشهر التاسع من عام 2015، نقلت وسائل إعلام «التحالف» مشاهد لسيطرة قوّات الأخير على سدّ مأرب، حيث رُفعت أعلام السعودية والإمارات والبحرين على ساريات طويلة، في ما اعُتبر من قِبَل تلك الوسائل دلالة على التفوّق والغلبة والقدرة على كسر شوكة الخصم وضعضعة قواته. يومها، نسج الإعلام الخليجي سرديات عن شراسة المعركة ومسرحها الواسع والصعب، من التضاريس الجبلية والوعرة، إلى الطبيعة الصحراوية، إلى المساحات المفتوحة التي مَثّلت تحدّياً أمام القوات المهاجِمة، ليكتمِل المشهد بتفاصيل اقتحام الغزاة تحصينات المدافعين أمام أعين القنّاصة الذين احتموا بالجبال من قصف الطيران الحربي والمروحي.
تعاطى قادة دول العدوان مع معركة السدّ على أنها أبعد من إنجاز ميداني وتكتيكي، وصدّروها في صورة نصر استراتيجي بكامل الأبعاد العسكرية والسياسية، لا على اليمنيين الذين يفتخرون بأنهم لم يستسلموا للغزاة عبر التاريخ فقط، بل وعلى المشروع الإيراني في المنطقة أيضاً! وكنوع من التفاخر، أرسلت تلك الدول كبار القادة من السياسيين والعسكريين، وعلى رأسهم أبناء الملوك والأمراء، لالتقاط الصور التذكارية هناك، وإعلان الخطط العسكرية المقرَّرة لـ»تحرير» صنعاء، و»إعادتها إلى حاضنتها العربية مجدّداً». ومن بين مَن حضروا آنذاك، نجلا ملك البحرين ناصر وخالد بن حمد آل خليفة، والأخير يتولّى قيادة ما تُسمّى «قوات الواجب البحرينية» التابعة للحرس الملكي والموجودة في اليمن، فضلاً عن العديد من أبناء زعماء الإمارات. وفي كلّ تلك الزيارات، كانت القنوات الخليجية توقف بثّها الاعتيادي لتنقُل الوقائع والخطب الملقاة بالمناسبة.
اليوم، يبدو ذلك كلّه مجرّد وهم لم يُعمّر طويلاً، مع اقتراب الجيش و»اللجان» من السيطرة على كامل محافظة مأرب، التي أريد منها أن تكون منطلقاً لإسقاط أسوار صنعاء، وهو ما لم يتحقّق للغزاة على رغم كثرة المحاولات واستطالة الزمن.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا