مشاريع سياحية بمئات المليارات يجري تنفيذها مع جهات صديقة
مع تعاقد وزارة السياحة على مشاريع تُعتبر من الأكبر خلال العقدين الأخيرين، وبدء تنفيذها فعلياً، يتحدّث وزير السياحة السوري، رامي مارتيني، في مقابلة مع «الأخبار»، عن معالجة 29 مشروعاً متعثّراً، بفعل الحرب، ببدائل وطنية وصديقة، فيما يدافع عن قرارات وزارته في مرحلة مواجهة وباء كورونا، معتبراً أنه ليس بالضرورة أن تكون «شعبية».

تفاؤل كبير أثاره وصول رامي مارتيني إلى رأس وزارة تعاني ما تعانيه من جرّاء الحرب التي أتت على منشآتها دماراً وتخريباً، وسط انعدام إحصائيات السيّاح إلى سوريا لسنوات. العاملون في القطاع السياحي توسّموا خيراً بـ»ابن المصلحة» الذي يملك منشآت سياحية في حلب، دَمّر المسلحون بعضاً منها، وخرّبوا بعضها الآخر. لذا، وبحسب الأحاديث السائدة بين العاملين، فقد كانت حظوظ القطاع مرتفعة بتعيين وزير تكنوقراط على رأس وزارة يعرف خفاياها ونقاط ضعفها وجُلّ التحديات التي تواجهها. ولكن ما الذي يمكن فعله سياحياً وسط ركام الحرب والحصار، إضافة إلى قيود فرضها وباء كورونا على العالم؟
«طموحة ولكنها واقعية»، هكذا يبدأ مارتيني التعريف عن خطط وزارته الشاملة للقطاع السياحي، وهي تناسب، بحسب قوله، إمكانيات الخزينة العامة للدولة. تُركّز أهداف الوزارة، حالياً، على توفير 110 آلاف فرصة عمل، و100 ألف سرير فندقي جديد، مع العمل على فتح أبواب جديدة للترويج والاستثمار السياحي في سوريا. وبالطبع، فإن الأسواق التي يقصدها الوزير تَتمثّل في دول محدّدة كالصين وروسيا وإيران، إضافة إلى دول الجوار التي تُعتبر أسواقاً تقليدية للسياحة السورية بأنواعها، وعلى رأسها سياحة التسوّق والسياحة الدينية وسياحة الترفيه. هنا، يُظهر مارتيني ثقته بأن القطاع السياحي ليس مجرّد قطاع ترفيهي، بل تنموي ورافد للخزينة ومُحفّز للقطاع الخاص في كلّ المجالات. ويعطي مثالاً عن دورة اقتصادية كاملة تقوم على سياحة التسوّق وحدها، والتي تروّج المنتَج الوطني السوري المطلوب في دول الجوار بإرثه الصناعي العريق. «رَكّزنا عام 2019 على الأسواق الصديقة، وكان منتظراً من عام 2020 الكثير، لكن جاء وباء كورونا وأَثّر على العالم بأسره»، يستدرك الوزير.

الوزارة والمخالفات: قرارات «غير شعبية»
المضيّ إلى وزارة السياحة بمبناها التراثي المطلّ على التكية السليمانية ومبنى جامعة دمشق القديم، في وسط العاصمة السورية تماماً، يلزم باجتياز الازدحام الخانق على جسر الرئيس، حيث يطلّ فندق «الفورسيزنس» العملاق على المشهد بفجاجة، ومن غير أيّ تناسق يواجه المباني التراثية على المقلب الآخر. هذا هو المشهد من شرفة مكتب الوزير الذي يملأ الوقت أثناء الاستعداد لبدء مقابلته مع «الأخبار» بشرح تفاصيل عن عمر مبنى وزارة السياحة وتاريخه الذي يصل إلى 150 عاماً، فيما لا يمكن الرجل الإحاطة بكلّ التفاصيل التراثية الفنية المحيطة به، بدءاً من مكتبه المتواضع، وصولاً إلى الجدران الخارجية للمبنى الهادئ، الذي جرى ترميمه خلال الحرب.
في دول مجاورة، مال المعنيّون نحو الاقتصاد أكثر من اللازم، وهم يدفعون اليوم ثمناً كبيراً


هذه الفواصل الغنية بالمعلومات لا تمنعه من توضيح اللغط الحاصل، المتمثّل في قرار الوزارة منع النراجيل وإغلاق المطاعم المخالفة، والذي أثار حفيظة أصحاب المنشآت. وبتقبّل للاعتراضات يقول: «نحن جزء من فريق حكومي اتخذ قرارات في ظروف استثنائية ومرحلة ضاغطة مُتمثّلة في التصدي لانتشار الوباء. ولن تكون جميع القرارات المتّخذة شعبية». أما إغلاق المنشآت فقد طُبّق، بحسب قوله، بعد عدم تجاوب بعض المستثمرين مع قرارات صادرة عن وزارة السياحة تنفيذاً لقرارات الفريق الحكومي. وحول منع الحفلات خلال فترة الأعياد، أوضح أن المنع طال حفلات فنية ذات طابع جماهيري قائم على الاكتظاظ بما لا يمكّن من تطبيق الإجراءات الاحترازية، لافتاً إلى أن العمل يجري ضمن الأنظمة والقوانين، في ظلّ استنفار الفريق الطبّي والصحّي الذي يُقدّم شهداء في هذه المرحلة. في المقابل، لم يكن منطقياً، بحسب الوزير، عدم تحديد ضوابط لأماكن ارتياد اختيارية وليست اضطرارية، بغية تحقيق ربح في ليلة واحدة أو حتى أيام. ويلفت إلى أنه «في دول مجاورة، مال المعنيّون نحو الاقتصاد أكثر من اللازم، وهم يدفعون اليوم ثمناً كبيراً».
ويردّ على أصوات علت للسؤال عن حقوق العمال المتوقّفين عن العمل بفعل هذه القرارات بالقول: «نعم هناك عمال متضرّرون، ولهم حقوق، لكن لهم حقوق صحّية أيضاً أمام خطر العدوى بوباء كورونا. ولهم حق علينا كدولة أن نحمي حقوقهم الصحيّة هذه». ويضيف: «هؤلاء العاملون هم الحلقة الأضعف وليس المستثمر. المستثمر شريكنا في السرّاء والضرّاء، وهو يمكن أن يتحمّل مع الدولة التي تخسر وتتضرّر، بدورها، بفعل الوباء». ويتابع: «حاولنا الإبقاء على المنشآت في حالة التشغيل وتحقيقها جدوى اقتصادية، بشرط أن يبقى هذا التشغيل منضبطاً». ويرى أن الوزارة قامت بالعمل الصحيح، وسط تسجيل تناقص لحالات المصابين في سوريا، في حين تتزايد في دول أُخرى تعاني من انفجار صحي.

المشاريع المتعثّرة: بدائل وطنية وشركات صديقة
متغيّرات الحرب، وما يرافقها من تداعيات حصار غير مسبوقة أدّت إلى خلل كبير في مناخ الجذب الاستثماري إلى سوريا، وتوقّف العديد من المشاريع، وانكفاء الشركات العربية والأجنبية، ملفّ شائك يواجه الوزير السوري. «هل هناك بيئة استثمارية آمنة في سوريا؟»، يجيب بثقة بأن «التشريعات التي صدرت في السنوات الأخيرة وقرارات المجلس الأعلى للسياحة هي الأكثر استجابة لمتطلّبات المستثمرين، باعتبارها تقدّم مناخاً آمناً ومستقرّاً لجذب رؤوس الأموال والاستثمار في هذا القطاع تحديداً». واصلت الوزارة، بحسب مارتيني، تقديم تسهيلات، بما سمح بأن «تحلّ رؤوس أموال وطنية وصديقة محلّ الشركات المتوقّفة عن العمل». ويضيف: «هناك مفاوضات مع شركات عديدة من دول صديقة، ولدينا شركات روسية تستثمر في القطاع السياحي في سوريا، وبمشاريع من الحجم الثقيل تصل كلفها إلى مئات المليارات. كما تعاقدنا على مشاريع تعتبر من أكبر المشاريع في السنين العشرين الأخيرة، وقد انطلقت فعلاً». وبشأن حلول المشاريع المتعثّرة بفعل الحرب، يشير مارتيني إلى «معالجة الوزارة 29 مشروعاً، منها 10 مشاريع انطلقت، وبعضها قيد المعالجة، فيما أُنهي بعضها الآخر لعدم الجدية». وينفي إيقاف الوزارة أيّ مشروع سياحي، بل يؤكّد عملها على «توازن عقدي للتوصّل إلى ملاحق عقود كانت متعثّرة وبدأت تستعيد عافيتها في كلّ من طرطوس واللاذقية وحلب ودمشق». ويعطي أمثلة على أحد هذه المشاريع المُقام على شاطئ ابن هانئ في اللاذقية، والذي يُعتبر من أهمّ المواقع السياحية، حيث «أُنهي المشروع وفق الشروط العقدية المناسبة، وأُعدّت دفاتر شروط جديدة، ثمّ طُرح للاستثمار». وتطول أمثلة الوزير عن مشاريع أُخرى «بعضها في حلب القديمة، جرى التعاقد مع مستثمرين جدد بخصوصه، وبما يُحقّق مصلحة الدولة وربح المستثمر». ويعلّق قائلاً: «جميع الشركات تُعطَى التسهيلات نفسها، بصرف النظر عن الجنسية، شرط الالتزام أمام القوانين السورية».

«هل هذا وقت التدريب والتأهيل الفندقي»؟
تبدو نقاط الضعف في القطاع السياحي السوري واضحة للعيان منذ ما قبل الحرب، وتَتمثّل في مقياس الجودة والتنافسية على المستويين الدولي والإقليمي. ولم يكن ملفّ التدريب والتأهيل على المستوى الدولي المطلوب، ولطالما كانت الفجوة واضحة بين التصنيف السياحي وحقيقة الخدمات، حتى في المنشآت التي كان بعضها دولياً. واللافت أن تلافي التقصير لم يتمّ في العصر الذهبي للقطاع السياحي، أي قبل الحرب، بل لم تكن للمعاهد الفندقية منذ إستحداثها عام 1993 أيّ مناهج، بل ملخصات يضعها المدرّسون أنفسهم من دون نهج موحّد. ومع ذلك، كان لا بدّ من طرح سؤال حول توقيت الاهتمام بمناهج التدريب والتأهيل التي لن تُلمَس لها نتائج حالياً، غير أن هذا الملفّ يعني الوزير شخصياً. يعترف قائلاً: «دول مجاورة سبقتنا بخطوات في مجال الضيافة وإدارة الموارد البشرية وتطوير الكوادر العاملين والتسويق للمنتَج الوطني». ويقسّم التقصير في المسؤوليات بين كلّ من «القطاع الخاص الموكل إليه مهام التدريب، والوزارة في ذلك الحين التي قصّرت في إصدار التشريعات بما يسهّل ويمنح الإعفاءات لمراكز التدريب أسوة بالفنادق والمطاعم. ويضيف: «عام 2019 طبعنا 28 منهاجاً للمدارس الفندقية، و14 منهاجاً آخر للمعاهد. كما عملنا على مشاريع تشاركية مع القطاع الخاص وجمعيات المجتمع الأهلي والمنظمات، استقدمنا خلالها أفضل الخبرات الوطنية والعربية والأجنبية». ويتابع: «أضفنا مواد تحليل التكاليف وحساب الكلفة الذي يجهله الكثير من كبار موظفي المنشآت. وركّزنا على دراسة اللغات الأجنبية السياحية كالإنكليزية والفرنسية والروسية، مراعاة للأسواق المستهدفة». ويزيد: «في آخر كلّ مشروع يجري تعميم معجم للمصطلحات السياحية، التي وصلت إلى 7 آلاف كلمة».

«السياحة الشعبية» بمواجهة ارتفاع التكاليف
يقلّب الوزير مارتيني أوراقه مرتاحاً لأرقام وزارته وأرباحها الرافدة للخزينة العامة، بنسب إشغال سياحية وصلت خلال عام 2019 حتى 100%. مقارنة موازنات الوزارة سنوياً مع أرباحها تتحدّث مؤخراً عن ضبط للهدر وارتفاع في نسب السياحة الداخلية. ومنذ عام 2016، وبفعل تكيّف القطاع الخاص مع ظروف الحرب، وتقديم خدماته بما يناسب السوريين أنفسهم، لوحظ تطوّر في القطاع. وبحسب مارتيني، فإن السياحة الداخلية ما زالت في صعود، على رغم التحدّيات المتمثّلة في كلفة المنتَج السياحي، نتيجة ارتفاع الأسعار. يلفت الوزير إلى «(أننا) حاولنا أن نزيد دور السياحة الشعبية ونتدخّل مباشرة، وحَقّقنا نجاحاً جزئياً في أكثر من 5 مواقع يجري العمل عليها بشكل متوازٍ، فيما أنجزنا بعضها ولاقى إقبالاً كبيراً في الساحل السوري». «السياحة الشعبية» اعتُبرت منتَجاً جديداً عملت عليه الوزارة واستثمرته في ملتقيات الاستثمار، بتَهيِيء مواقع للاستثمار ودفاتر الشروط بما يراعي تقديم منتَج تتناسب أسعاره المدروسة مع عموم العائلات السورية. ومع انتهاء المقابلة والاستعداد للمغادرة، كان الختام لافتاً مع المرور قرب إحدى القاعات التي بدا أنها تشهد ترميماً من نوع خاص، ليَتبيّن لاحقاً أن فنّاناً دمشقياً راحلاً يدعى صالح قنواتي أوصى قبل وفاته بالتبرّع للوزارة بعمله الفني اليدوي القائم على جهده طيلة 12 عاماً، والمتمثّل في جدران وسقف من خشب بذور الزيتون السوري، تتخلّلها كتابات بالخطّ العربي. ويجري تركيب ولصق العمل على جدران القاعة وسقفها، بما يناسب المساحات والزوايا، وذلك بإشراف المهندس المدني مارتيني نفسه، ليتمّ توظيفها كقاعة رئيسة أو للمحاضرات أو لاستقبال كبار الزوار، وتنضمّ إلى باقي اللمسات الفنية والتراثية التي يزخر بها المبنى.

وزير السياحة السوري