دمشق | أعلنت وزارة النفط السورية، في الثالث من الشهر الجاري، قرارها خفض كمّيات البنزين الموزّعة على المحافظات بنسبة 17%، وكميات المازوت بنسبة 24%، «نظراً إلى تأخر وصول واردات المشتقّات النفطيّة المتعاقد عليها». قرار الخفض «الموقّت» هذا، يربطه مصدر مطّلع في وزارة النفط، فضّل عدم الكشف عن اسمه، بـ«الحصار الأميركي والغربي على البلاد أولاً، وبتأخُّر وصول الشحنات النفطية من طهران ثانياً». لكنه يؤكّد، من جهة أخرى، أن الحكومة السورية لا تعتمد على الإمداد الإيراني فحسب، بل «تعوّل على مصادر أخرى، عن طريق الشراء بشكل مباشر»، متحفظاً عن ذكر هذه المصادر لأسباب سياسية واقتصادية.ويبدو أن عملية نقل المشتقّات النفطية تواجه عراقيل كثيرة قبل وصولها إلى سوريا، تُضاف إلى التكلفة المالية المرتفعة جداً؛ إذ يتطلّب استيرادها اللجوء إلى أساليب «ملتوية» للإفلات من العقوبات الغربية. وفي هذا السياق، يشير المصدر في وزارة النفط، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «العقوبات فرضت إجراءات مختلفة على كل ناقلة نفط تريد الدخول إلى البلاد. لذلك، اضطرّت هذه الناقلات إلى سلوك طرق وأساليب عديدة للتحايل على العقوبات والإجراءات المفروضة بموجبها، ما من شأنه تأخير وصولها». ومن هذه الإجراءات، يقول المصدر، «إطفاء أجهزة التعريف الخاصة بالسفن الناقلة، وتزوير أرقام ومعطيات الشحنات، وسلك طرق متعدّدة ومتعرّجة وطويلة للوصول إلى الموانئ السورية، ما يرتّب تكاليف مالية أعلى، ووقتاً إضافياً». ويلفت إلى أن «إنتاج سوريا يصل، في الوقت الراهن، إلى حوالى 20 ألف برميل يومياً، معظمه نفط خفيف مرافق للغاز، إلى جانب نحو 15 مليون متر مكعب من الغاز يومياً». أما بالنسبة إلى الإمدادات النفطية التي أعلنت وزارة النفط وصولها إلى مصفاة بانياس ضمن الخط الائتماني المشترك بين سوريا وإيران، فهي «تكفي لتشغيل مصفاة واحدة، وتغطّي الحاجة لمدة عشرة أيام لا أكثر، وليس لخمسة أشهر كما أُشيع، على أن تصل الشحنات تباعاً وعلى دفعات»، بحسب المصدر.
يتطلّب استيراد المحروقات اللجوء إلى أساليب «ملتوية» للإفلات من العقوبات الغربية


ويبرّر عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات في محافظة حماة، ثائر سلهب، عدم توافر مادة البنزين، والازدحام الخانق على محطات الوقود بـ«انخفاض معدّلات الكميات الموجودة»؛ إذ يقول، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «تم تقليص طلبات البنزين من 18صهريجاً إلى 17 ثم إلى 15، وهي كميات غير كافية بالتأكيد، لأن الواردات من هذه المادة أقلّ بكثير من معدّل الطلب لدى المحطات». أمّا بالنسبة إلى المازوت «فتم تخفيضها من 27 إلى 20 طلباً لكل القطاعات الموزّعة بين الزراعة والنقل والأفران والتدفئة، إلى حين وصول الإمدادات الخارجية».
بات مألوفاً بالنسبة إلى المواطن السوري مشهد الاكتظاظ وطوابير السيارات أمام المحطات في المحافظات السورية كافة، وهو فصل متكرّر اعتاده الناس. سائق سيارة الأجرة، عمران، يقضي ساعات طويلة أمام إحدى محطات الوقود في العاصمة دمشق، ضمن أرتال من السيارات، في سبيل الحصول على بضع ليترات من البنزين. ويقول عمران: «صرلي 13ساعة ناطر، كل ساعة لحتى يتقدّم الدور شوي، اليوم معطّل عن الشغل، مين بعوّضني؟ أنا مياوم، يعني اليوم يلي ما بشتغل فيه، ما باكل». آخرون لجؤوا إلى اتّباع سياسة «المبيت والتناوب»، لحجز دور لهم وضمان عدم تفويت فرصة التعبئة، كضحى التي تتقاسم مع أخيها طابور الانتظار. وتقول الشابة: «أتولّى حراسة الدور في فترة الصباح والظهيرة، إلى حين عودة شقيقي من العمل ليتسلّم المهمّة نيابةً عني، حتّى لا تذهب ساعات الانتظار سدىً». بدوره، يلفت صلاح، وهو صاحب محطة وقود تقع في منطقة المزّة في دمشق، إلى أن «الكازيّة اضطرّت، منذ عدة أيام، للإقفال ليوم واحد بسبب انقطاع البنزين نهائياً، ثم في اليوم التالي وصلت إلينا المخصّصات وهي عبارة عن صهريج واحد فقط، لا يكفي لتلبية طلبات الزبائن الكثيفة». وكانت الحكومة السورية قد رفعت أسعار المشتقّات النفطية، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بنسبة 100%، ليرتفع سعر البنزين المدعوم من 250 إلى 450 ليرة سورية، والبنزين الحرّ من 450 إلى 650 ليرة، وبنزين «أوكتان 95» من 850 إلى 1050.