القاهرة | برحيل وزير الإعلام المصري الأسبق، صفوت الشريف، ينطوي جزء من ملفّات المخابرات السرّية التي دامت لسنوات. فالرجل الذي التحق بالمخابرات في شبابه، وفُصل منها على خلفية قضايا أخلاقية، هو نفسه الذي عادت أسهمه إلى الصعود ليكون صاحب السلطة والجاه خلال حكم المخلوع الراحل محمد حسني مبارك. وبعد صراع مع المرض، رحل الشريف (1933-2021) أمس، خاتماً سيرة واحد من أهمّ رجال المخابرات حتى ورود اسمه في قضية الانحرافات الأخلاقية للجهاز خلال الستينيات، قبل أن يعود مع «الاتحاد الاشتراكي» بعد سنوات قليلة قضاها في السجن ليكون أحد رجاله.

صحيح أنه لم يعشق الأضواء التي حاصرته في حياته، لكنه استطاع أن يُحوّل أيّ منصب يتولّاه إلى بؤرة الحدث ووجهة الإعلام، بداية من «الهيئة العامة للاستعلامات» التي تولّاها في عهد أنور السادات، بعدما كان أحد الأعضاء المؤسّسين لـ«الحزب الوطني» المحلول في منتصف السبعينيات (خلال حكم السادات)، مروراً بتولّيه وزارة الإعلام لأكثر من 22 عاماً في عهد مبارك الذي أبقاه في هذه الوزارة منذ 1982 حتى 2004 عندما غادرها ليكون رئيساً لـ«مجلس الشورى»، وصولاً إلى شغله منصب الأمين العام لـ«الوطني» حتى «ثورة 2011» التي زَجّت به في السجن، ليقضي العقد الأخير في عمره بين السجن والمستشفى وشهور من البراءة.
في سجل الشريف كثير من الأسرار التي جمعته مع رجال الأنظمة كافة: في الستينيات، نُسب إليه الكثير من الأدوار القذرة في تصوير وتوريط الفنانات مع السياسيين والأثرياء العرب، وفي السبعينيات، تربّح من منصبه مع بداية الانفتاح، وخلال حكم مبارك، تَحوّل إلى الشخص الذي تجتمع بيده السلطة والنفوذ والاقتراب من الرئيس، إلى درجة التنافس بينه وبين شخصيات عديدة في الحكم، منهم السيدة الأولى آنذاك سوزان مبارك، لكن الأخيرة قَيّدت نفوذه لسنوات، ولا سيما مع حماستها للجيل الجديد الذي دعمه نجلها داخل الحزب.
استغلّ منصبه بالتربّح والفساد عبر الاستيلاء على أراضي الدولة أو المال العام


أيضاً، هو المتّهم الأول لدى عائلة سعاد حسني بالتورّط في قتل ابنتها، خاصة أن الكثير من الأحاديث تطرّقت إلى دوره في تصويرها بأوضاع غير لائقة، ومنح هذه الصور والفيديوات لِمَن أحبّته لكي يوقف زواجها منه، وهو الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، إلى جانب حكايات كثيرة عن نفوذه وعلاقاته مع الفنانين والفنانات، ولا سيما عندما أصبح مسؤولاً عن «الإعلام». ومع أنه أسهم في تحقيق «ريادة إعلامية» لمصر خلال التسعينيات بإطلاق القنوات الفضائية المتخصّصة، وحَقّق «نهضة في البنية التحتية الإعلامية» بتأسيس مدينة الإنتاج الإعلامي وإطلاق القمر الاصطناعي «نايل سات»، فإنه استغلّ منصبه بالتربّح والفساد عبر الاستيلاء على أراضي الدولة أو المال العام، وهي الاتهامات التي أثبتتها الأجهزة الرقابية بعد خروجه من السلطة.
لم يكن رجل مبارك راغباً في الدفاع عن سمعته التي تَلوّثت، ليس خلال عمله في المخابرات فقط، بل طوال حياة الأنظمة المتعاقبة، فهو وجد نفسه رجل دولة عليه أن يتحمّل ما يُفرض عليه. حتى عندما خرج للدفاع عن مبارك يوم 27 كانون الثاني/ يناير 2011 ، معلناً أن «الوطني باقٍ وصامد» في وجه التظاهرات، لم يكن يكذب. إلى آخر حياته بقي يرفض الاعتراف بأخطائه، ويرى أنه خدم بلده، حتى في «موقعة الجمل» التي تورّط فيها بفضّ التظاهرات في «ميدان التحرير». أمّا نجلاه فقد اتُّهما معه في قضايا الفساد، وسدّدا مليارات الجنيهات من أجل التصالح، فيما ظَلّت تطارد والدهما اتهامات الكسب غير المشروع حتى رحيله، علماً بأن القضية كانت أُغلقت بعدما حصل على وعود بالبقاء بأمان داخل فيلته في ضاحية التجمّع، والتي تُعدّ واحدة من عشرات المباني التي امتلكها. ومثلما عاش صفوت الشريف في كنف المخابرات، خرج من الدنيا عبرها، بعدما توفّي داخل مستشفى «وادي النيل» التابع للجهاز نفسه بسرطان الدم وفيروس «كورونا» معاً، عقب رحلة مرض استمرّت سنوات ظلّ صامتاً خلالها، مُفضّلاً أن يضمن لأبنائه حياة رغيدة بالمليارات المسروقة مقابل دفن الحقائق والأسرار معه.