غزة | مع بداية العام الجديد، وفي خطوة مفاجئة، أعلن محافظ «سلطة النقد الفلسطينية»، عزام الشوا، وهو من قطاع غزة، استقالته «لأسباب خاصة به»، طبقاً لبيان «النقد». وعلى عجل، قبلها رئيس السلطة، محمود عباس، معلناً تعيين فراس ملحم، وهو من الضفة المحتلة، قائماً بأعمال المحافظ. بعد يومين من هذه الاستقالة والتعيين الجديد، بدأ البنك الفلسطيني الأول والأكبر، «بنك فلسطين»، إغلاق حسابات الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي وذويهم، في خطوة ترتبط بإقالة الشوا الذي عزت مصادر في السلطة الضغط عليه كي يستقيل إلى موقفه الرافض لإغلاق حسابات الأسرى. ويمتلك رئيس «النقد» القدرة على إصدار تعليماته للبنوك بالتوقف عن التعامل مع قرار العدو والتراجع عن إغلاق حسابات الأسرى والشهداء كون هذه البنوك تعمل وفق «قانون المصارف الفلسطيني».لم تكن خطوة «فلسطين» هي الأولى بين البنوك، إذ عمدت بنوك أخرى منذ أيار/ مايو الماضي إلى إغلاق حسابات، لكن بطريقة لا تثير الضجة وبأعداد متباعدة زمنياً. أما ما فعله «بنك فلسطين» مع بداية العام، فكان مختلفاً. وتكشف المصادر أن الضغوط التي مورست على الشوا يقف خلفها مسؤولون كبار في السلطة ممن تحركوا لإعادة العلاقات مع العدو الشهر الماضي، وخاصة أن الأخير سبق أن طلب خلال اجتماعات تنسيقية مع مسؤولين في السلطة الشهر الماضي تسوية ملف رواتب الأسرى قبل بداية العام الجاري وذلك قبل سريان القرار العسكري الذي يحظر على البنوك الفلسطينية فتح حسابات بنكية لنحو 13 ألف أسير حالي وسابق مع بداية العام الجديد.
وتعود التهديدات الإسرائيلية للبنوك إلى أقدم من ذلك، وتحديداً إلى شباط/ فبراير الماضي، كما اعتقل العدو إداريي وموظفي البنوك التي لديها حسابات أسرى ومحررين وذوي شهداء، وهدد بإدراجها ضمن قوائم «داعمي الإرهاب»، على أن يتبع ذلك دعاوى في المحاكم. ولتلافي هذه الأزمة وتبعاتها وطنياً وشعبياً، وكذلك أي هجوم على رام الله لانصياعها للأوامر العسكرية الإسرائيلية، صرفت السلطة قبل نهاية الشهر الماضي ثلاث دفعات من الرواتب للأسرى وذويهم، لكنها عمدت إلى وقف مخصصات ثمانية محررين بتوصيات من أجهزتها الأمنية بعد لقاءات تنسيقية مع الاحتلال، ليصل عدد من قطعت رواتبهم لهذا السبب إلى أكثر من 120.
عيّنت السلطة محافظاً جديداً لـ«النقد» بعد رفض الشوا تنفيذ الخطة


يُذكر أن إجمالي حسابات الأسرى والمحررين في البنوك الفلسطينية يبلغ 7500 حساب، فيما يبلغ إجمالي الفاتورة قرابة 50 مليون شيكل (15.6 مليون دولار) شهرياً. وقبل ستة أشهر، أعلنت السلطة أنها ستقيم مؤسسة مصرفية تتبع لـ«منظمة التحرير» تتمكن بها من دفع رواتبهم، كي تخرج البنوك من الحرج أو تعرّض الحسابات لديها للمصادرة. لكن مصادر فلسطينية كشفت أن خطوات إقامة هذا البنك تعثّرت نتيجة صعوبة عمله وإمكانية ضغط الاحتلال عليه وعلى البنوك التي ستتعامل معه، فضلاً عن ملاحقة البنك الجديد وإغلاق مقارّه ومصادرة أمواله.
هذه العوائق دفعت مسؤولين في السلطة إلى التباحث في إلحاق البنك الجديد بـ«منظمة التحرير»، وفعلياً بدأت الحكومة في آب/ أغسطس الماضي إقامة بنك حكومي باسم «الاستقلال للتنمية والاستثمار الحكومي» برأسمال مئة مليون دولار لإدارة المال العام وصرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى في غزة والضفة، فيما اختارت مديراً له المصرفي بيان قاسم، المدير العام السابق لـ«البنك الإسلامي الفلسطيني». ولما بدأت البنوك المحلية غلق حسابات مصرفية من جانب واحد، أثار الأمر رد فعل شعبياً وحكومياً، وفي الشهر نفسه، اتهمت وزارة المالية القطاع المصرفي بمخالفة المعايير بسبب غلقها حسابات دون موافقة طرفَي الحساب (البنك والعميل). كذلك، أثارت استجابة البنوك لتهديدات الاحتلال وأوامره العسكرية حفيظة الفصائل الفلسطينية التي دعت البنوك إلى «تحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية». ودعت «الجبهة الديموقراطية»، «بنكَ فلسطين»، إلى التراجع عن قراره تجميد الحسابات و«رفض الرضوخ للابتزازات والإملاءات الإسرائيلية التي تستهدف تجريم نضالات شعبنا وحقوقه الوطنية».