نابلس | وثّقت كاميرا مراقبة إسرائيلية حدثاً مثيراً السبت الماضي قرب مدخل مستوطنة «كدوميم» بين قلقيلية ونابلس شمال الضفة المحتلة. ترجّل أسير محرّر من مركبته «في مكان شديد الحساسية ومحصّن أمنياً، ليقطع الناحية الأخرى من الشارع متوجّهاً صوب جندي إسرائيلي. أشعل الشاب زجاجة حارقة وقذفها نحو الجندي مباشرة، ثمّ غادر بمركبته وانسحب بسلام قبل اعتقاله بعد ساعات في بلدة عزون، شرقي قلقيلية. الجندي الذي من المفترض أن يكون على «قدر عالٍ من الاحتراف القتالي والمدرّب ضمن لواء النخبة غولاني»، ظهر وهو في حالة هلع، ولم يبادر إلى أيّ ردّ، وحتى لم يطلق النار بل هرول هارباً، الأمر الذي أثار سخطاً واسعاً لدى المستوطنين وأدّى إلى إيقاف الجندي عن الخدمة. يعكس المشهد انعدام الروح القتالية عند «جندي النخبة»، المكلّف أصلاً حراسة المستوطنين ومدخل المستوطنة، بل وطريق رئيس يصل بين محافظات نابلس وقلقيلية وسلفيت، لتضرب الحادثة معنويات المستوطنين، مع أن العدو يحاول ترميم روح القتال المنخفضة عند جنوده بسلسلة إجراءات؛ أبرزها: زيادة تحصين الحواجز، وتعزيز عدد نقاط المراقبة أمام معظم المستوطنات وعند معظم مفترقاتها، وإضافة كاميرات مراقبة جديدة.كلّ ذلك سار على نحو مشابه لأحداث سابقة، حتى عُثر ليلة الاثنين الماضي على جثة المستوطنة إستار هورغن في أحراج ريحان غربي جنين، بعد فقدان آثارها لساعات، ليشرع جهاز «الشاباك» في التحقيق وسط أدلّة تشير إلى أن خلفية الواقعة عملية نَفّذها فلسطيني من الضفة، طبقاً للقناة الـ 12 العبرية. ما إن اتّضحت هوية القتيلة وأنها ابنة أحد «كبار المستوطنين المتطرّفين»، حتى تسارعت الأحداث، وانتشر المستوطنون في مناطق واسعة من شمال الضفة، وهاجموا المركبات الفلسطينية بالحجارة جنوب نابلس وقرب رام الله. في البداية، حرس جيش العدو المستوطنين، ثم حاول ضبطهم بعد الهجمات الأولى لمنع تفجّر الأوضاع وردّ الفعل الفلسطيني، لكن مطاردة إسرائيلية لمركبة مستوطنين بعد رشقهم الحجارة على فلسطينيين أدّت إلى انقلابها ومقتل مستوطن وإصابة آخرين قرب رام الله.
تسبّب الارتباك الإسرائيلي في مقتل مستوطن وإصابة آخرين


لاحقاً، بعد ساعات من تحطيم مجموعة مركبات فلسطينية، نجح شاب من بلدة قباطية جنوبي غربي جنين في اختراق منظومة العدو الأمنية، ووصل إلى القدس مسلّحاً ببندقية «كارلو» محلية الصنع، ثم اجتاز الحواجز في المدينة وحول البلدة القديمة أيضاً. ولمّا لاحقته شرطة العدو، خاض اشتباكاً في منطقة باب حطة متنقلاً بين زقاق وآخر، ليصيب شرطياً إسرائيلياً، على رغم «تعطّل بندقيته خلال العملية» وفق إعلام العدو. الشهيد محمود عمر كميل (17 عاماً) نال ما تمنّى وفق والدته، فهو كان «دائم الطلب للشهادة في القدس والمسجد الأقصى»، وفي سبيل ذلك امتشق «بندقية الفقراء»، "الكارلو" الذي اشتُهر منذ سنين وعاد بقوة جراء شحّ الإمكانات والملاحقة المزدوجة لسلاح المقاومة في الضفة.
كتب كميل، قبيل استشهاده، منشوراً عن البنادق الاستعراضية والبوصلة الخاطئة: «قُتل ابن عائلتي في شجار مع عائلة أخرى، فخرجت البنادق وبدأ الثأر وطلبنا ترحيل عائلات القتلة كلّها، ثم استشهد ابن عمي على يد الاحتلال فشيّعناه وهتفنا للشهيد وعدنا إلى بيتنا صامتين!». هكذا، حسم قراره في نهاية المنشور الذي ختمه بآية قرآنية: «أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم». لكن في اليوم التالي لعملية الشاب، جُنّ جنون الجيش والمستوطنين، بل نجا مستوطن بأعجوبة من «هوس مخابرات العدو» عندما فتحت قوة من جهاز «الشاباك» النار على مركبة المستوطن وأصابتها برصاصات مباشرة، لأن «أفراد المخابرات ظنّوا أن المستوطن فلسطيني قادم لدهسهم» قرب حاجز «عطارة» شمال رام الله.
هذه ليست المرّة الأولى الذي يخلق «الهوس الأمني» إرباكاً، فيُقتل مستوطنون ويُصابون بـ«نيران وصفعات صديقة» بسببه. في بداية الشهر الماضي مثلاً، هاجمت شرطة العدو مستوطناً وأبرحته ضرباً وظهر في فيديو ملطّخاً بدمه في بلدة شعفاط في القدس بعد الاشتباه في أن «شكله يوحي بأنه عربي يحمل سكيناً». كما سبق أن سُجّلت حوادث سابقة لجنود أطلقوا النار على زملائهم أو مستوطنين خلال تنفيذ فلسطيني عملية فدائية. وليل أول من أمس أيضاً، أطلّت «خفافيش الظلام» مجدّداً في هجمة أوسع على المركبات الفلسطينية بالحجارة، من أقصى جنوب الضفّة في بيت لحم إلى شمالها قرب نابلس، لكن الجديد هذه المرّة هو الردّ الفلسطيني السريع بهجمات بالحجارة على مركبات مستوطنين في مناطق أخرى قريبة، كانت حصيلتها ثلاث إصابات بين المستوطنين وتضرّر ستّ من مركباتهم على الأقلّ، وفق اعتراف العدو. حصيلة هي الأعلى والأولى من نوعها في ليلة واحدة منذ بداية 2020، في محاولةٍ لإعادة معادلة الاشتباك الشعبي: المستوطن لن يشعر بالأمن، ولكلّ جريمة ردّ وعقاب.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا