الخرطوم | قبل أيّام من اكتمال العام الثاني من عمر «ثورة ديسمبر» التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير، أزيل اسم السودان من «لائحة الدول الراعية للإرهاب»، والتي أدرجته فيها الإدارة الأميركية قبل نحو ثلاثة عقود. تطوّرٌ من شأنه أن يُخلّف تداعيات كبيرة على مسار الحكومة الانتقالية، خصوصاً أنه يمثّل بالنسبة إلى الأخيرة طوق نجاة، بعد فشلها في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتأزّمة، ما أدّى إلى مفاقمة معاناة المواطنين في الحصول على متطلّبات الحياة الأساسية.على أن مراقبين يرون أن رفع العقوبات وحده لن يؤدّي إلى النهوض بالبلاد التي أقعدها الفقر منذ نيل الاستقلال قبل نصف قرن، وأن هذا الأمر يحتاج إلى ثورة وعي ضدّ المسار الذي ظلّت النخب السياسية تنتهجه، والذي يعتمد بشكل كلّي على التبعية التي لم تنعتق منها منذ عهد الاستعمار. وفي هذا الإطار، يلفت سكرتير «الحزب الشيوعي»، محمد مختار الخطيب، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «السودان ظَلّ يعاني من الفقر والتخلّف نتيجة المسار السياسي والاجتماعي الذي انتهجه، والذي يقوم على التبعية والمضيّ على خطى الاستعمار»، معتبراً أنه «ما لم يتمّ فعل ثوري حقيقي ضدّ الإملاءات الخارجية فلن نتمكّن من النهوض»، مضيفاً: «من الواضح أن الحكومة الانتقالية الحالية ترضخ للخارج ولا تزال ترضخ للإملاءت الخارجية». ويحذر الخطيب من أن «الاعتماد على القروض والاستدانة أدّى إلى رهن البلاد لدوائر الرأسمالية العالمية»، مستنكراً على الإدارة الأميركية «تلكّؤها في رفع العقوبات على الرغم من مضيّ عامين على سقوط النظام السابق»، متسائلاً: «إذا كان النظام السابق هو المعنيّ بالعقوبات الأميركية، فلماذا استمرّت الإدارة الأميركية في فرضها على رغم مرور عامين على سقوط النظام، فنحن عانينا أيضاً من إرهاب النظام البائد». ويختم بالتأكيد أن «العقوبات ظلّت كابوساً يؤرّق الشعب السوداني، وأن الإدارة الأميركية استخدمتها كأداة للتطبيع ضدّ إدارة الشعب».
رفع العقوبات وحده لن يؤدّي إلى النهوض بالبلاد التي أقعدها الفقر منذ نيل الاستقلال


في المقابل، تتمسّك الحكومة الانتقالية بادّعائها أنها لم تساوم في ملفّ رفع العقوبات مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن مسألة التطبيع متروكة للمجلس التشريعي. وهو ما عاد وأكّده المتحدث باسم الحكومة، وزير الإعلام فيصل محمد صالح، الذي تحدّث عن إبلاغهم الإدارة الأميركية بأن الملفَّين، أحدهما منفصل عن الآخر، معتبراً أن الربط بينهما «له علاقة بالانتخابات الأميركية وليست له علاقة بالسودان». واعترف صالح، في تصريحات صحافية، بأن «ضغوطاً أميركية أدّت إلى الاتفاق الأولي على التطبيع، أعقبتها المكالمة الجماعية بين رئيس الوزراء السوداني ورئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي»، مستدركاً بأنه «حتى بعد هذه المكالمة، فقد تمّ التأكيد أن هذا اتفاق أوّلي، وأن الملف سيُحال إلى المجلس التشريعي عند تكوينه». ولفت وزير الإعلام إلى أنه طيلة فترة التفاوض التي بدأت منذ أيلول/ سبتمبر من العام الماضي لرفع العقوبات عن البلاد، «لم يُطرَح أيّ حديث عن التطبيع على الإطلاق من قِبَل الإدارة الأميركية ولم يكن شرطاً»، مضيفاً أن «الحديث المباشر بخصوص التطبيع كان لدى زيارة وزير الخارجية الأميركي للخرطوم»، ليأتي «الردّ من قِبَلنا أن لا يتمّ الربط بين الأمرين» كما زعم.
وولّد القرار الأميركي رفع اسم السودان من «لائحة الإرهاب» ردود فعل متباينة، بين مَن ابتهجوا بإنهاء حالة العزلة التي عاشت فيها البلاد على مدى سبعة وعشرين عاماً بما يمهّد بحسبهم لإنهاء الضائقة الاقتصادية الخانقة، وبين مَن سخطوا للثمن الفادح الذي دفعته الخرطوم لقاء تجريدها من هذه الوصمة، وبين مَن أبدوا تريّثاً إلى أن يكتمل الأمر بمنح الولايات المتحدة السودان الحصانة السيادية، والتي تحميه من أيّ مقاضاة ومطالبات محتملة في ما يتعلّق بقضية الإرهاب. وكان رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، وصف القرار الأميركي بأنه «انعتاق من الحصار الدولي والعالمي الذي أقحمَنا فيه سلوك النظام المخلوع»، متحدّثاً عن «مكاسب عدّة للسودان أهمّها عودة البلاد إلى النظام المصرفي العالمي، ومعالجة ديونها الخارجية البالغة 60 مليار دولار، وفتحها للاستثمارت الخارجية». وفي هذا الإطار، أعلنت وزيرة المالية المُكلّفة، هبة محمد علي، تقديم الحكومة الأميركية قرضاً للسودان بقيمة 1.5 مليار دولار للمساعدة في تسديد متأخّراته لدى البنك الدولي، مشيرة إلى أن إدراج القرض سيتمّ خلال الأيام المقبلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا