القاهرة | على رغم التوافق المصري - الإيطالي الأوّلي على تسوية قضائية لملفّ مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني على يد الشرطة المصرية قبل أربع سنوات، بعد اختطافه وتعذيبه لأيام، لم يتقبّل الداخل الإيطالي هذه التسوية التي حملت أبعاداً سياسية، بل قابلها بالرفض الشديد، وسط ضغوطات نجحت في كشف المزيد من المعلومات أمام البرلمان، بالتزامن مع تقديم نيابة روما قرار الاتهام بحق الضباط الأربعة رسمياً من بين خمسة أسماء وردت في القضية. صحيح أن قائمة الضباط المتهمين الأولية ضمت سبعة أسماء، لكن التحرّيات الأخيرة قلّصت العدد إلى خمسة، ثمّ إلى أربعة، بعدما لم تتمكّن السلطات الإيطالية من إثبات تورّط الضابط الخامس (محمود نجم) بصورة كافية على غرار زملائه الذين ورد في مقدّمتهم اسم رئيس قطاع «الأمن الوطني» («أمن الدولة» سابقاً) اللواء طارق صابر، الذي تقاعد بعد الحادث بشهور، بجانب العقيدين حسام حلمي وآسر كمال، والرائد شريف مجدي عبد العال.بموجب القانون الإيطالي، لدى المتهمين الذين أعلنت مصر رفضها تسليمهم عشرون يوماً لتقديم إفاداتهم أو دفاعاتهم أمام النيابة في روما قبل أن تبدأ إجراءات محاكمتهم غيابياً، علماً بأن «الإنتربول» سيطالَب بتوقيفهم. ووفق مصادر مطّلعة على الملف، جُمعت معلومات تفصيلية عن دور كلّ متّهم في واقعة القتل التي لم يشَر فيها إلى الداخلية المصرية باتهام مباشر، بل رأى الإيطاليون أن تصرّفات الضباط فردية، على الأقلّ كما ورد في البيان المشترك بين النيابتين المصرية والإيطالية الشهر الماضي. وأجبرت روما الشرطة المصرية على توفير معلومات كثيرة عرقلت القاهرة الوصول إليها في البداية، وبينها كاميرات المراقبة التي تعرّضت تسجيلاتها للحذف قبل أن يستعيدها مجدّداً خبراء ألمان، إلى جانب عرض شهادات مزيّفة لتشتيت جهود الأمن. في المقابل، جاء الاتهام الإيطالي للضباط المصريين بناءً على معلومات وشهادات مؤكدة لشهود احتفظت النيابة الإيطالية بأسمائهم حماية لهم، مع تأكدها التامّ من أنه لا علاقة تجمعهم بعضهم ببعض.
وتنقل المصادر أن النيابة الإيطالية رسمت مسار الجريمة بدءاً من مراقبة الضباط لريجيني ونشاطه قبل أسابيع من خطفه في الشارع، وتبيّن أن عمر المراقبة كان أكثر من أربعين يوماً. كما رصدت دخول قوة أمنية بقيادة الضابط محمود نجم إلى مسكن الباحث الإيطالي وتفتيشه، حيث كان يتشارك شقة مع شخص يدعى محمد الصياد أُجبر هو وحارس العقار على جمع معلومات عن تحرّكات جوليو، بعدما تمّ تحذيرهما من إبلاغ الأخير بذلك. كما وثّق الفريق الإيطالي مراقبة الضبّاط لريجيني بسجلات الاتصالات الخاصة بهواتفهم المحمولة، إلى جانب هاتف الصياد. واستُبعد نجم من علاقته بالخطوة التالية، وهي اختطاف ريجيني وتعذيبه وقتله. هنا، رُصد حديث للضابط شريف عبد العال خلال مشاركته في دورة تدريبية في كينيا، حيث سمعها ضابط كيني يجيد العربية بطلاقة من دون أن ينتبه عبد العال إلى هذا الأمر. وتضمنت شهادة الضابط الكيني تأكيده أن عبد العال تحدث عن اعتقاد الشرطة بعمل ريجيني جاسوساً لإسرائيل أو الولايات المتحدة.
من المحتمل بدء المحاكمة الغيابية للضباط الأربعة المتهمين قريباً


الشهادات التي وثّقت رحلة مراقبة ريجيني وقتله تضمّنت إفادة من متّهم تصادف وجوده في قسم الدقي، وهو أقرب قسم شرطة من موقع اختفاء ريجيني، في يوم خطفه، إذ كان يطلب وجود محامٍ أو ممثل عن سفارته في التحقيقات قبل أن يُجبَر على مغادرة القسم بسيارة ملاكي (غير حكومية). كما تحدّث متّهم آخر عن مشاهدة ريجيني وعلى جسده آثار تعذيب تتّسق مع ما جاء في تقرير الطبيب الشرعي الإيطالي بعد معاينة الجثة في روما، وذلك خلال خضوعه للتحقيق في مقرّ لـ«الأمن الوطني»، مفيداً بأن جسم الضحية كان نصفه الأعلى عارياً على رغم برودة الطقس. ومع التزام مصر الصمت على التحرّكات الايطالية المتزايدة في الداخل، تؤكد مصادر أن روما لا ترحّب بأيّ زيارات لوفود مصرية رسمية حتى إشعار آخر، لكن مع استمرار قنوات الاتصال الدبلوماسي على نحو اعتيادي، في خطوة تعيد العلاقات بين البلدين إلى مرحلة التجميد، على غرار ما حدث بعد إعلان الحادث قبل أربع سنوات.