عمّان | لم يتحدّث وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن لقائه نظيره الإسرائيلي، غابي أشكنازي، عبر حسابه على «تويتر»، كعادته. اللقاء الذي عُقد الأسبوع المنصرم في منطقة حدودية، لم ترافقه أيّ تغطية إعلامية محلية، فيما اكتفت بعض الصحف بذكره بشكل عابر لاحقاً، على رغم الأهمية التي ينطوي عليها بعد مرحلة من فتور العلاقات الأردنية ــــ الإسرائيلية خلال ولاية دونالد ترامب الموشكة على الانتهاء. وكانت آخر زيارة إسرائيلية مُعلَنة على مستوى رفيع إلى عمّان عام 2018، لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي تدور تلميحات إلى رغبته في زيارتها مجدّداً وقريباً.وتزامن لقاء الصفدي وأشكنازي (المحسوب على جناح وزير الأمن، بيني غانتس) مع الحديث أردنياً عن «الوضع الكارثي» للبحر الميت، جرّاء انخفاض منسوبه الذي تناقص نحو 22 متراً منذ سنة 2000، وتعالي الأصوات المطالبة بإعادة تفعيل مشروع «ناقل البحرين» (الميت ــــ الأحمر) لإنقاذ الأول، بعدما جَمّدته إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة أعوام لقلّة جدواه الاقتصادية، كما نقلت آنذاك وسائل إعلام عبرية. ومنذ مدّة، قدّمت عمّان سؤالاً رسمياً إلى تل أبيب عن مستقبل المشروع، من دون أن تحصل على إجابة، أقلّه مثلما ظهر إلى العلن. ولذلك، لم يبدُ مستغرباً أن تكون العناوين التي طُرحت في ما رشح عن اللقاء الأردني ــــ الإسرائيلي هي «ناقل البحرين»، إلى جانب «رفع القيود عن الصادرات الأردنية إلى الضفة، وفتح المعابر، وترتيب تنقل المسافرين عبر المراكز الحدودية أثناء جائحة كورونا».
من الواضح أن الملف الأبرز لدى المملكة حالياً كي تتفاوض مع إسرائيل عليه، في مرحلة ما بعد ترامب، إضافة إلى موضوع القدس والوصاية الهاشمية، هو المياه. وإن كان «ناقل البحرين» سيسدّ العجز المائي (كما يروّج حكومياً) في بلد هو الثاني فقراً في المياه عالمياً، إضافة إلى إيقافه جفاف البحر الميت والمحافظة عليه وعلى النظام البيئي فيه، يدرك النظام أنه حتى إدارة ترامب المتعجرفة في التعامل معه أخذت هذا المشروع في الاعتبار، وطرحته ضمن «صفقة القرن» لجرّ الأردن إلى قبول الخطّة، تحت عنوان «خدمات عبر الحدود». وفي الفقرة الأولى ضمن العنوان المشار إليه، يأتي ذكر المشروع الذي من المقرّر تنفيذه على مرحلتين، ثمّ في فقرته الثانية «تحسين نهر الأردن»، لتقليل أثر التلوث بسبب المياه العادمة الإسرائيلية.
كان هذا المشروع جزءاً أساسياً من «صفقة القرن»، لكنه لا يزال قائماً


لا شكّ في أن المياه كانت ولا تزال بنداً حسّاساً في علاقة عمّان ورام الله وتل أبيب، حتى إن الأخيرة كانت تطمح في مشروع ضمّ الأغوار إلى السيطرة الكاملة على منطقة تضمّ حوضَي نهرَي اليرموك والأردن ومياهاً جوفية وسطحية غنية. كما أنه على رغم التفاهمات بين هذا الثلاثي، ظَلّت إسرائيل تعرقل المشاريع المائية مع الأردن والسلطة، وآخرها «ناقل البحرين». إذاً، تُناور عمّان حالياً وتريد من «المطبّعين الجدد» دعمها بالضغط على إسرائيل لإعادة المشروع، ومادّياً بتوفير تمويل له أو حتى تأمين ضمانات لجهات مهتمّة بتمويله، وربما المساهمة مع تل أبيب في دفع حصّتها منه. ويقول الموقع الأردني الرسمي للمشروع إن الأخير «مُجدٍ اقتصادياً بشرط تمويل الجزء الذي لا يعود بمردود مالي والمتعلّق بحماية البحر الميت شاملاً الخط الناقل للمياه بين البحرين، والبالغ نحو 4.5 بلايين دولار من الجهات المانحة، إذ إن البحر إرث عالمي تقع مسؤولية حمايته على المجتمع الدولي، ولا يمكن تحميله على كلفة تحلية المياه ونقلها إلى الجهات المستفيدة». ويضيف: «بقية كلفة المشروع البالغة نحو ستة بلايين دولار للتحلية وتوليد الطاقة ونقل مياه التحلية إلى مراكز الاستخدام سيجري تمويلها بالقروض والمستثمرين والأطراف المستفيدة».
من الجهات المهتمة بـ«ناقل البحرين» اليابان التي قرّرت في 2018 تحريك موضوع المفاوضات واستكمال مبادرة «ممرّ السلام والازدهار» في البحر الميت، وقد قدمت خلال الاجتماعات تصوّراً عن «مدخل اقتصادي للسلام» يحاكي مشروعات تمتدّ من العقبة جنوباً إلى بيسان شمالاً على طول غور الأردن، وترتبط أساساً بالمشروع المدعوم يابانياً بـ 25 مليون دولار. والآن، ثمّة رهان على أن الانفتاح الأردني على دول الخليج المُطبّعة، مع الارتياح للمصالحة الخليجية وانتظار بلورة مطالب «قابلة» للتحقيق مع إدارة جو بايدن، سيسهم كلّه في حلحلة الوضع الاقتصادي الداخلي المحتقن وحلّ المشكلة المائية، لكن هذا مرهون بدعم الرعاة التقليديين (أميركياً وخليجياً وحتى أوروبياً) عمّان، وجعل علاقتها مع تل أبيب أيسر، عبر كسب نقاط ماء عجزت معاهدة وادي عربة عن تأمينها للحناجر العطشى شرق النهر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا