لم يترك نفي وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، انعقاد اللقاء بين ولي عهد المملكة محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة "نيوم" السعودية، أيّ صدى معتبر في كيان العدو، سوى أن نتنياهو رفض تأكيد الزيارة أو نفيها، كما هو متوقّع له أن يفعل. إذ لم ينعكس موقف ابن فرحان على ردود فعل السياسيين الذين تناولوا اللقاء ــــ الحدث كحقيقة مُسلّمة، ولا على تقديرات الخبراء ولا في تغطية وسائل الإعلام الذين عرضوا لأبعاده ورسائله. والقراءة العامة التي هيمنت على المشهدين السياسي والإعلامي هي أن "لقاء نيوم" يُمثل محطّة في سياق حركة التطبيع وبلورة التحالفات الجديدة في المنطقة على وقع مجموعة من المتغيّرات، بدءاً من صمود إيران أمام "الضغوط القصوى"، وتمسّكها بثوابتها الصاروخية والنووية والإقليمية، مروراً بصمود حلفائها في لبنان وسوريا والعراق، وصولاً إلى سقوط ترامب وما قد يترتّب عليه من سيناريوات وتداعيات تتّصل بمجمل المشهد الإقليمي.على المستوى السياسي الداخلي، ولّد "لقاء نيوم" سلسلة ردود فعل وتداعيات فورية، تَمثّلت في قرار إدخال السعودية ــــ بعد 24 ساعة من اللقاء ــــ إلى قائمة "الدول الخضراء" التي يُعفى مَن يعود منها (إلى إسرائيل) من الحجر الصحي! إذ أفاد المعلّق السياسي، باراك رابيد، بأن المدير العام لوزارة الصحة، حِزي ليفي، وقّع على مرسوم بهذا القرار، لتُنشر نسخة منه في القوائم، من دون بيان ترويجي في وسائل الإعلام. على خطّ موازٍ، وفي سياق انتقاد تسريب خبر الزيارة، رأى وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، أن التسريب "خطوة عديمة المسؤولية"، قائلاً، في إشارة ضمنية إلى نتنياهو: "أنا لا أتصرّف هكذا، ولن أتصرّف هكذا بخصوص هذا الأمر، وعلى الإسرائيليين أن يقلقوا"، مضيفاً: "تستطيعون تَخيّل كم من الأمور السرّية قمت بها خلال حياتي، ومن بينها أمور بإيفاد من نتنياهو"، ملمّحاً بذلك إلى توظيف نتنياهو الداخلي لخطوات استراتيجية سرّية بهذا المستوى. وشمل انتقاد التسريب، أيضاً، الأجهزة الأمنية، وتحديداً قيادة الجيش، التي أثارت استياءها مشاركة السكرتير العسكري للحكومة، العميد آفي بلوط، من دون معرفة رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي وإذنه. وكشف المعلّق العسكري، أور هيلر، أن "الجهات الأمنية لم تحبّ أبداً الطريقة التي حصل فيها الأمر"، لافتاً إلى أن عدم إطلاع رئيس الأركان أمر له معانٍ كثيرة، وخاصة أنه "في حال حصول شيء في إسرائيل، أو في الطريق إلى السعودية، أو في السعودية، فإن الجيش الذي لم يتمّ إطلاعه على أيّ شيء في الواقع لن يستطيع القيام بشيء، وإن فعل فسيكون متأخراً كونه لم يعلم بالرحلة".
تل أبيب ستسمح للسعوديين بـ«جمعيات برّ» شرقي القدس


هذه الأصداء دفعت محلّلين إسرائيليين إلى وصف أداء نتنياهو بأنه محكوم بالقضايا الشخصية التي تطارده، والتوجّه إلى ابن سلمان بأن يعتاد على حقيقة أن السرّية لن يتمّ الحفاظ عليها مع نتنياهو، في إشارة إلى أن الأخير لا يتورّع عن توظيف قضايا "الأمن القومي" في سياق مصالحه التي تدفعه إلى الكشف عنها. مع ذلك، رأت صحيفة "إسرائيل اليوم"، المقرّبة من رئيس الحكومة، أن التسريبات عن "لقاء نيوم" هي "مؤشّرات على تقدّم دراماتيكي بين البلدين نحو التوقيع على اتفاق سلام أو على الأقلّ اتفاق تطبيع، وإذا خرج أيّ منهما إلى حيّز التنفيذ فسوف يغيّر شبكة المصالح الجيو ــــ سياسية في الشرق الأوسط 180 درجة". وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف من اللقاء، بالاستناد إلى مسؤولين سعوديين، هو "إقامة جبهة موحّدة في قبالة إيران وإدارة بايدن التي هي في طور التشكّل". وتابعت أنه بالرغم من "تزايد الحرارة العلني في العلاقات بين البلدين"، إلا أنه حتى الساعة ستكتفي الرياض بالوضع الحالي للعلاقات مع تل أبيب. واللافت أيضاً أن المسؤولين السعوديين كشفوا حقيقة وجود مخاوف من إدارة بايدن، ومن أوامر اعتقال متهمين بقتل الصحافي جمال خاشقجي، وبموجب ذلك، طلب ابن سلمان مساعدة الإسرائيليين. كذلك، كشفت "إسرائيل اليوم" أن تل أبيب ستسمح للسعوديين بـ"جمعيات برّ" شرقي القدس بهدف كبح نفوذ الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.
في السياق نفسه، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "لقاء نيوم" لم يكن الأول مع نتنياهو، لكنها المرّة الأولى التي تسمح فيها الرقابة العسكرية بنشر الخبر في وسائل الإعلام، وفي وقت قريب جداً من موعد انعقاد اللقاء. ورأت أن هذه الخطوة لم تكن لتحصل لولا ضوء أخضر من مكتب رئيس الحكومة، الذي اختار عدم نفي الرحلة أو تأكيدها. ورأى المعلّق العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أنه "مع كلّ الاحترام للمسألة الإيرانية والتطبيع، من المشكوك فيه أن هذا الاجتماع كان سيُعقد لولا شعور السعوديين بالحاجة إلى تجنيد إسرائيل كدرعٍ إضافي أمام إدارة معادية في واشنطن"، مُعبّراً عن أمله في "ألّا يؤدي كشف رحلة نتنياهو إلى السعودية إلى تدمير ما تمّ بناؤه".
من جهتها، أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أنه لو أراد نتنياهو أن يبقى الأمر سرّاً لكان بإمكانه فعل ذلك بسهولة، عبر إيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال، لكنه لم يفعل. على أن المسؤولين الإسرائيليين بشكل عام، ونتنياهو بشكل خاص، لا يتورّعون عن توظيف أهمّ المحطّات والمواقف المتّصلة بقضايا الأمن القومي في سياقات داخلية وتنافسية وشخصية. وعليه، فإن وجود أبعاد مصلحية ذاتية أو سياسية داخلية لا يتعارض مع وجود دوافع وسياقات إقليمية فرضت مثل هذه الزيارة، والعكس صحيح.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا