القاهرة | بمكاسب وخسائر، انتهى اللقاء الافتراضي بين وزراء الخارجية والريّ من مصر والسودان وإثيوبيا، أمس. صحيح أن وجود ممثّل عن الخارجية الإثيوبية لم يُشكّل تحوّلاً جذرياً في المفاوضات، وخاصة مع بقاء النقاط العالقة، لكن الاجتماع انتهى بمكاسب لأديس أبابا وخسارة للقاهرة وجمود في موقف الخرطوم، لتبقى أزمة «سدّ النهضة» معلّقة حتى إشعار آخر. وسط ذلك، تسعى إثيوبيا إلى منع مصر من استغلال الأزمة في إقليم التيجراي من أجل التصعيد ضدّ الحكومة المركزية، ولا سيما في ظلّ وجود تحرّكات إريترية للوساطة. يأتي هذا فيما يتسبّب الموقف السوداني، الذي وصفته القاهرة بـ«المتعنت»، كما ينقل مصدر دبلوماسي في حديث إلى «الأخبار»، بجعل مصر تخسر كثيراً، بعدما كانت تُعوّل على الوحدة في نهج التفاوض بينها وبين السودان.في الأسابيع الماضية، قَدّمت مصر إلى السودان الكثير من التنازلات والمساعدات لضمان الحصول على دعمه في مفاوضات السدّ، إلى درجة إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين البلدين في سابقة لم تحدث منذ سنوات. ولكن في النهاية، فاجأت الخارجية السودانية المصريين بالانسحاب من المفاوضات لتمسّكها بوجهة نظرها القائمة على «اتباع نهج جديد» في التفاوض، وسط رفض مصري وإثيوبي لذلك. وتُجري مصر حالياً تدريبات عسكرية موسّعة مع السودان في المجال الجوي أُطلق عليها «نسور النيل»، ويشارك فيها طيّارون مصريون وعسكريون من القوات الخاصة في قاعدة «مروي»، وهي خطوة فُسّرت على أنها رسالة إلى أديس أبابا، لكن موقف الخرطوم أمس أطاح هذا التفسير.
قدّمت مصر إلى السودان تنازلات ومساعدات لضمان دعمه


في التفاصيل، يرعى الاتحاد الأفريقي المباحثات منذ شهور، ويرغب السودان في الاحتكام إلى خبراء أفارقة في ما يتعلّق بالتفاوض بين البلدان الثلاثة، وهو ما تتخوف منه مصر، ليس لنقص الخبرة المتوقع لدى الشخصيات المرشّحة فقط، بالمقارنة مع نظرائهم الأوروبيين والأميركيين، بل جرّاء مخاوف من تلقيهم رشى أو إغراءات لتغيير مواقفهم النهائية. وبموجب ما اتُّفق عليه في الاجتماعات السابقة، فقد اختارت كلّ دولة خبيرين لوضع مسار للمفاوضات بعد الاعتراض المصري والإثيوبي على تعزيز دور الخبراء الأفارقة، ليتحوّل الخلاف الآن بين الدول الثلاث حول آلية التفاوض لإنهاء الأزمة، وليس التفاصيل الفنية أو الخطوات الواجب اتخاذها. أمرٌ ترى فيه القاهرة نهاية لدور الاتحاد الأفريقي، ما لم تتدخل جنوب أفريقيا بوصفها رئيس الاتحاد.
على رغم الإخفاق المتوقع للاجتماع، جاء مفاجئاً إعلان وزير الريّ السوداني، ياسر عباس، في بيان منفرد، رفض بلاده مواصلة التفاوض وفق المنهج السابق، ومطالبتها بإرجاع القضية إلى الاتحاد الأفريقي، ما يعكس حالة التشرذم الحادّة بين الدول المشاركة بعد اجتماع الساعات الثلاث. وسريعاً، أجرت الرئاسة المصرية اتصالات مع المجلس العسكري والحكومة في الخرطوم لمناقشة الأمر على مستوى منخفض من التمثيل، مع اتصالات أخرى مرتقبة بعضها غير معلن. كما يُتوقع أن يجري وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مزيداً من الاتصالات ليس مع الخرطوم حصراً، وإنما مع نظرائه الأوروبيين تمهيداً لإحالة الملف ككلّ إلى مجلس الأمن قبل الصيف المقبل.
أيضاً، لا ترغب مصر في اتخاذ الاتحاد الأفريقي قراراً بإحالة الملف إلى إحدى اللجان الخاصة بالاتحاد من أجل استمرار التفاوض، بما أن مستوى المطالب الإثيوبية صار «غير مقبول»، ولا سيما بعد الإعلان الإثيوبي الواضح رفض أيّ اتفاقات ملزمة، ما يعني أن سرعة إحالة القضية إلى مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ستكون الحلّ لمطالبة أديس أبابا بوقف ملء السدّ حتى توقيع اتفاق. تقول المصادر إن استمرار الخلاف بين القاهرة والخرطوم يتسبّب في مزيد من القلق للأولى، وخاصة أن أديس أبابا ستكسب الوقت، وهو «هدفها الأساسي من تعقيد المفاوضات باستمرار».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا