على رغم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية أدّت إلى فوز المرشّح الديموقراطي جو بايدن، الذي كان أعلن في حملاته الانتخابية نيّته القطع مع سياسات سلفه دونالد ترامب في شأن التعامل مع السعودية، خصوصاً في ما يتّصل بحرب اليمن، التي تعهّد بالعمل على إنهائها من خلال وقف بيع السلاح للرياض، إلا أن قيادة المملكة تجد صعوبة في التعامل مع المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية المتعلّقة بهذه الحرب. وبدل أن تمثّل نتيجة الانتخابات الأميركية دافعاً للسعودية للإسراع في حلّ العقد والإشكالات مع حلفائها، يبدو أن قائدة تحالف العدوان تزداد غرقاً في المستنقع اليمني. في الأيام والأسابيع الماضية، تناقل مسؤولون يمنيون وسعوديون أخباراً عن قرب التوصّل إلى اتفاق على تأليف حكومة ما يسمى "الشرعية" برئاسة معين عبد الملك، المقرّب من السفير السعودي محمد آل جابر، في صورة حكومة كفاءات مناصفة بين الشمال والجنوب. وبحسب مطّلعين، فإن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الموالي للإمارات، أصرّ، في المفاوضات السياسية المنعقدة منذ شهور في الرياض، على نيل ستّ وزارات، من بينهما وزارتا النقل والسياحة، فيما اتُّهم من قِبَل الخصوم بأن مطالبته بهذه الوزرات إنما تأتي من أجل تأمين التشريع القانوني الضروري للاحتلال الإماراتي للجزر والموانئ اليمنية.
ويوم أمس، تَعقّدت عملية تأليف الحكومة من جديد، وتراجعت حظوظها إلى المربّع الأول، وذلك بعد اتخاذ طرفَي النزاع العديد من الخطوات التي كان من شأنها تأزيم الوضعين السياسي والميداني. وذكرت مصادر إعلامية أن وفد "الانتقالي" أبلغ الجانب السعودي نيّته مغادرة الرياض والانسحاب من المشاورات، ليعقب هذا إعلانُه إنشاء معسكر جديد لقواته في محافظة سقطرى جنوب شرق البلاد. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن إجراء "الانتقالي" ليس منعزلاً عن التطوّرات الإقليمية؛ إذ إن السعودية تراجعت في الآونة الأخيرة عن قبولها استفراد المجلس بإدارة السلطة المحلية في جزيرة سقطرى. وأضافت المصادر أن من بين التعقيدات التي تعرقل تأليف الحكومة المراجَعة السعودية لأكثر من ملف عالق مع الإمارات، ومن بين هذه الملفات جزيرة سقطرى، التي تثير شهية الطرفين. ومن هنا، تُفهَم مسارعة "الانتقالي" إلى تثبيت وجوده هناك كأمر واقع لا مفرّ منه.
التأزّم السياسي أعقبه، بعد ساعات قليلة، توتّر في جبهات القتال، خصوصاً في محافظة أبين، حيث دفع الطرفان بتعزيزات عسكرية كبيرة (الشرعية إلى شقرة، والانتقالي إلى منطقتي الشيخ سالم والطرية)، لتندلع إثر ذلك مواجهات أسفرت عن مقتل 6 من قوات "الانتقالي"، وإصابة 4 آخرين على الأقلّ. وحَمّل المجلس "أطرافاً في الحكومة اليمنية"، في إشارة إلى حزب "الإصلاح" (الإخوان)، مسؤولية التصعيد الأخير بهدف "تعطيل تنفيذ اتفاق الرياض، وهي أطراف تعمل لصالح تيار قطر - تركيا، وتتلقّى الدعم والتسليح منه، ومنه الطيران المُسيّر"، داعياً "التحالف" بقيادة السعودية إلى التدخل. من جرّاء هذا، وصلت لجنة مراقبين سعوديين إلى أبين، تُرافقها شخصيات قبلية من أبناء المحافظة، لاحتواء المعارك المتجدّدة هناك، علماً بأن اللجنة تَتألف من فريقين: الأول يتمركز في زنجبار خلف قوات "الانتقالي"، والآخر خلف قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي في مدينة شقرة، على مسافة فاصلة تُقدّر بخمسة وأربعين كيلومتراً.
وتأتي هذه التطوّرات بعد مضيّ أكثر من عام على توقيع "اتفاق الرياض" أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 برعاية سعودية، وبدعم وتشجيع من قِبَل جهات دولية وإقليمية. ومنذ توقيع الاتفاق، الذي يشمل ثلاثة ملحقات، سياسي وعسكري واقتصادي، يتبادل طرفاه الاتهامات بعرقلة تنفيذه، بعدما كان المأمول منه توحيد صفوف الوكلاء اليمنيين التابعين لـ"التحالف" في مواجهة "أنصار الله". وطبقاً لمصادر مطلعة، فإن تعثّر تنفيذ الاتفاق يعود إلى عوامل مختلفة، من بينها العداء المستحكم بين طرفَيه، وعجز الدولتين الراعيتين له عن حسم القضايا الخلافية بينهما. يُذكر أن السفير البريطاني في اليمن، مايكل آرون، وعلى رغم دعواته المتكرّرة إلى ضرورة تطبيق الاتفاق، إلا أنه يعترف أمام محادثيه اليمنيين بأن الأخير يفتقر إلى برنامج تطبيقي، مُحمّلاً ضمناً الجانب السعودي المسؤولية عن ضعف الاستجابة السريعة للظروف والمتغيّرات السياسية والميدانية. أما العامل المعلَن وراء التعثّر، فهو الخلاف على الأولويات في عملية التنفيذ؛ إذ فيما يُصرّ "الانتقالي" على تأمين حصّته السياسية من خلال تأليف الحكومة قبل التخلّي عمّا يمنحه أفضلية عسكرية في المحافظات الجنوبية الغربية (عدن، لحج، أبين، الضالع)، يدفع هادي إلى دمج قوات المجلس (التي يتجاوز عديدها 100 ألف مقاتل) ضمن قواته، قبل التوقيع على الحصة السياسية لـ"الانتقالي".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا