صحيح أن أسعار الأراضي زادت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة ارتباطاً بالتراخيص الهندسية التي سمحت ببناء عدد من الأبراج السكنية المرتفعة، لكن ما يعمد إليه النظام حالياً يرتبط بالسعي إلى وقف البناء السكني في الأحياء مقابل التوسّع في المدن الجديدة، لكن وفق الاشتراطات المحددة سلفاً من الحكومة. والأخيرة فرضت مجموعة قيود هدفها دفع المواطنين إلى وقف البناء وشراء مساكنها، ومنها تحديد الطوابق المسموح ببنائها وأيضاً توسيع المساحات التي يفترض تركها بين كل عقار وآخر، إضافة إلى وضع قيود على استعمال البناء بغرض السكن لمصلحة الأنشطة التجارية (كالمكاتب أو العيادات) وفق ضوابط صارمة، وهو ما يزيد من الأسعار بصورة جنونية، ولا سيما في المناطق المأهولة بالسكان في قلب القاهرة الكبرى.
في سبيل ذلك، تفرض الحكومة سيطرتها ليس على أراضي الدولة فقط بل على الأملاك الخاصة للأشخاص، وهي في الوقت الذي أوقفت فيه بناء السكان والشركات الخاصة بصورة شبه كاملة منذ أشهر، تسارع في تنفيذ آلاف الوحدات السكنية وتخصيص مزيد من الأراضي عبر وزارة الإسكان التي تطرح أراضيَ متميزة وأكثر تميزاً بأسعار باهظة مقارنة بمواقعها. لكن الصورة التي تحاول الحكومة عرضها للرأي العام وإقناعها به هو أن هذه التحركات هدفها ضمان التخطيط العمراني السليم لأي وحدة سكنية مع مراعاة الكثافة السكانية في كل منطقة والواجهة الحضارية للعقارات، وأنها لهذا السبب حددت مجموعة تصميمات كنماذج لأي بناء جديد، كما قررت سحب آلاف الأراضي التي لا يستغلها أصحابها كي تديرها بالنيابة عنهم! حتى الآن، تبدو مسألة سحب الأراضي غير مطروحة إعلامياً بصورة كافية، تجنّباً لإثارة الجدل، خاصة أن هناك أكثر من مقترح في الحكومة للتعامل مع هذه القضية من دون إثارة غضب شعبي، لأن الهدف هو نزع ملكية هذه الأراضي تحت عنوان المنفعة العامة، مع دراسة تعويض أصحاب الأراضي مالياً أو بتوفير أراضٍ بديلة في المدن الجديدة.
تجري العملية بخطوات متنوعة جزء منها غير معلن حتى لا يثور الناس
أما خطة الحكومة لوقف البناء الكامل في أنحاء مصر كافة إلا تبعاً للتصميمات الحكومية حصراً، فنزعت جزءاً رئيسياً من حقوق المالك الأصلي في استغلال الأراضي بالطريقة التي تناسب طريقة بنائه، وهو أمر سيثير جدلاً خاصة في الصعيد (جنوب)، الأمر الذي سيجبر الحكومة على دراسة مقترحات جديدة بشأن البناء في القرى والمراكز الريفية التي يختلف تصميم المباني فيها كلياً عن المدن الكبرى. لكن المحصلة واحدة، لأن جزءاً من خطة الحكومة قائم على إجبار المواطنين على شراء أو استئجار الوحدات في المدن الجديدة التي باتت شاغرة بسبب تنفيذ ما يفوق القدرة الاستيعابية، فضلاً عن المتغيرات في كلفة المواصلات بالانتقال منها وإليها، إذ زادت أكثر من خمسة أضعاف في سنوات قليلة، ما يدفع المواطنين إلى إعادة النظر في جدوى الإقامة فيها أو حتى شرائها، ولا سيما مع ارتفاع أسعارها وتقديم القطاع الخاص أسعار وحدات أقل من الحكومية ودون مشكلات الأخيرة. ويمكن القول إن الحكومة وضعت قطاع العقارات قيد التأميم غير المعلن بتوجيه من السيسي، وذلك بعدما سيطرت عليه واحتكرته لسنوات طويلة، ووضعت صعوبات كبيرة لم تعد تعيق رجال الأعمال وكبار المطورين العقاريين فقط بل تطاول الآن المواطن العادي.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا