صنعاء | حتى فجر أمس، كانت كلّ المعطيات تؤشّر إلى إمكانية تعثّر تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى الموقّع عليه في مونترو السويسرية أواخر الشهر الماضي، والذي يشمل أكثر من 1000 أسير. ذلك أن حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي تُمثّل طرفاً من أطراف الاتفاق إلى جانب السعودية وما تُسمّى «المقاومة الجنوبية»، عمدت إلى تغيير قوائم الأسرى المتّفق عليها، مضيفةً إليها أسماء جديدة، ومشترطة الإفراج عنهم مقابل المضيّ في التنفيذ. وإزاء تلك الشروط المستجدّة، حاولت «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى» في صنعاء فعل كلّ ما في وسعها للحفاظ على الصفقة وإتمامها، مُتمكّنة، حتى صباح الخميس، من إنقاذ الصفقة من محاولات الإفشال المتعمّدة من قِبَل أطراف في حزب «الإصلاح» (إخوان) في محافظة مأرب، ومتجاوزةً الإشكالية المتعلّقة بمحاولة فرض 10 أسماء جديدة على القوائم قبل يومين من موعد التنفيذ، ليتمّ بهذا استكمال كلّ الإجراءات من جميع الأطراف، بعد تأخير استمرّ لعدّة لساعات.هكذا، بدت صنعاء أكثر حرصاً على إنجاح الاتفاق، الذي لم تظهر، منذ بداية مشوار إبرامه، تعنّتاً في متطلّبات التوصّل إليه، إذ إنها لم ترفض، مثلاً، أن تشمل قوائم أسراها أسماء بعض الصيّادين المختطفين من قِبَل قوات موالية للعدوان، أو آخرين اعتقلتهم القوات السعودية أثناء محاولتهم التسلّل إلى المملكة عبر الحدّ الجنوبي للمملكة بحثاً عن فرص عمل. ومنطلقها في ذلك هو أن كلّ يمني محلّ اعتبار لديها، ولا «فيتو» على أحد باستثناء بعض المعتقلين على ذمّة قضايا تمسّ أمن الدولة.
تُستكمل العملية اليوم بإطلاق صنعاء 150 أسيراً مقابل استقبالها 200


ويوم أمس، اكتظّت الساحة الخارجية لمطار صنعاء الدولي بالآلاف من المواطنين الذين توافدوا من العاصمة والمحافظات منذ الصباح الباكر لاستقبال الأسرى. وبعد تأخير أثار قلق المستقبِلين، بدأت عملية التنفيذ في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر الخميس، بوصول أولى الطائرات الأممية التي تُقلّ المُطلَق سراحهم. وكما كان متوقّعاً، استُهلّت العملية بإقلاع طائرة أممية على متنها 15 سعودياً وأربعة سودانيين وعدد من أسرى القوات الموالية لحكومة هادي من مطار صنعاء باتجاه مطار أبها السعودي. وبالتزامن مع ذلك، أقلعت طائرة أخرى من مطار سيئون الواقع في محافظة حضرموت باتجاه صنعاء. وخلال الساعات الأولى من مساء أمس، كان مطار صنعاء قد استقبل ثلاث رحلات جوية (اثنتان من أبها وواحدة من سيئون) تحمل قرابة 360 أسيراً من أسرى الجيش اليمني واللجان الشعبية، لتصل بعد ذلك طائرة رابعة من مطار سيئون تحمل 112 أسيراً. وبحسب «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، فقد أُفرج أمس عن 700 أسير من الطرفين، على أن يُطلَق سراح البقية (من بين 1080 تشملهم الصفقة) اليوم. ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فقد أفرجت «أنصار الله»، ضمن الدفعة الأولى، عن خمسة صحافيين موالين لـ«التحالف» لم يكونوا مشمولين بالاتفاق، إلا أنها احتفظت لديها بعشرة أسرى نصّت عليهم القوائم بعدما رفض «الإصلاح» إطلاق سراح عشرة من قواتها.
وأعلن رئيس «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى» في صنعاء، عبد القادر المرتضى، في مؤتمر صحافي عقده في المطار الدولي، أن العملية ستُستكمل اليوم الجمعة باستقبال العاصمة 200 أسير قادمين من مطار عدن، في مقابل إفراجها عن 150 أسيراً. وأشار المرتضى إلى أن «لجنة الأسرى واجهت صعوبات كبيرة حتى وصلت إلى عملية الإفراج، بسبب تعنّت بعض الأطراف التي حاولت إعاقة تنفيذ الصفقة»، مضيفاً أن «صنعاء تعاملت مع ملف الأسرى من منطلق إنساني بحت، ونأمل من كلّ الأطراف التعامل معه من المبدأ نفسه»، مؤكداً «جهوزيّتنا للدخول مباشرة في مشاورات جديدة تفضي إلى اتفاقيات جديدة». من جهته، أوضح المتحدّث الرسمي باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أن إفراج صنعاء عن أسرى سعوديين وسودانيين يأتي لتشجيع الطرف الآخر، لافتاً إلى «(أننا) قدّمنا تنازلات كبيرة» في هذا الملف باعتباره ملفّاً إنسانياً، مُجدّداً «استعدادنا للدخول في تبادل الكلّ مقابل الكلّ، وهذا ما كنا قد طالبنا به في السويد». وطمأن أهالي بقية الأسرى إلى «أننا سنتابع هذا الملف حتى خروج آخر أسير من سجون العدوان»، مشيراً إلى أن «وجود الأسرى السعوديين لدينا إحدى نقاط القوة»، مبيّناً أن «الذين خرجوا اليوم هم جزء فقط، ولدينا المزيد من الجنود السعوديين الأسرى».
وحظي إتمام المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى بنجاح، بترحيب محلّي ودولي كبير، بوصفه اختراقاً هامّاً في ملفّ الأسرى والمعتقلين، والمتعثّر منذ توقيع «اتفاق استكهولم» برعاية الأمم المتحدة في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018.



استقبال ملكي للمُحرَّرين
بدت لافتةً الحفاوة التي اسُتقبِل بها أسرى الجيش اليمني واللجان الشعبية في صنعاء، حيث فُرش لهم السجاد الأحمر، واصطفّ كبار مسؤولي الدولة لملاقاتهم، فيما امتدّت جماهير المستقبِلين من مطار صنعاء الدولي وصولاً إلى «جولة الجمنة» بطول ستة كيلومترات. وعلى وقع الزغاريد والهتافات الثورية، انطلقت مواكب الأسرى المُحرّرين من المطار باتجاه ميدان السبعين، تحت حماية مشدّدة، ترافقهم 20 سيارة إسعاف و14 فريقاً طبّياً. في المقابل، لم يحظَ أسرى القوات الموالية لهادي بأيّ اعتبار أو استقبال، وهو ما أثار سخط العشرات من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا