القاهرة | فرضت الدولة المصرية سيطرتها الكاملة على المساجد والزوايا كافة خلال الأسابيع الماضية، مُستغلّةً في ذلك أزمة فيروس «كورونا» المستجدّ، بعدما أُغلقت دور العبادة جرّاء تلك الأزمة لأكثر من أربعة أشهر. ويجري التحكّم، اليوم، في جميع المساجد لتكون تحت قبضة وزارة الأوقاف على وجه التحديد، بالتوازي مع هدم بعضها وإعادة بنائه في مواقع أخرى، أو إغلاق البعض الآخر بداعي أنه لا حاجة إليه حالياً. تكشف مصادر مطّلعة، لـ»الأخبار»، عن «خطّة محكمة في الوقت الراهن للتعامل مع نحو 30 ألف زاوية ومسجد صغير أنشئت خلال السنوات الماضية»، والهدف «تقنين أوضاعها ضمن خطّة أوسع تشمل جميع المساجد والزوايا على مستوى الجمهورية، مع وضع ضوابط صارمة مرتبطة بإنشاء المساجد الجديدة في سياق مخطّط متكامل مرتبط بالتخطيط العمراني».وفي إطار هذا المخطّط، أوقفت وزارة الأوقاف، بقيادة محمد مختار جمعة، المقرّب من الأجهزة الأمنية، جميع التراخيص لإقامة الزوايا والمساجد الصغيرة منذ شهور، وقَصَرت بناء المساجد على الوزارة، مع إلزام أيّ شخص يرغب في التبرّع لبناء مسجد بالالتزام بالاشتراطات والنماذج التي حدّدتها «الأوقاف»، في خطوة غير مسبوقة، إذ جرت العادة بأن تُهدى المساجد إلى الوزارة بأيّ مواصفات، ومن ذلك فيما لو كان المسجد الصغير في أسفل عقار سكني، وهو أمرٌ عليه تحفّظ حالي. أما السبب المعلن للخطوات الأخيرة، فهو محاولة تقييد المخالفات المرتكَبة باسم تعمير المساجد مثل البناء المخالف والعشوائي، لكن الواقع يؤكد أن هناك خطّة كبرى هدفها تقليص الزوايا الصغيرة والاكتفاء بالمساجد التي تُبنى على مساحات كبيرة، في اتجاه تتبعه الدولة في جميع المشاريع الإنشائية الحالية. وعلى رغم مرور نحو شهرين على إعادة افتتاح المساجد الكبيرة والمتوسطة، إلا أن غالبية الزوايا والمساجد الصغيرة لا تزال مغلقة بقرار الوزارة التي تعمل على حصرها ودراسة التعامل معها على نحو لا يثير الغضب الشعبي تجاه قرارات الإغلاق المتوقعة لعشرات منها، وخاصة في القرى.
استغلّت الدولة حالة الإغلاق بسبب «كورونا» لتنفيذ مشروعها الكبير والحسّاس


وتستند «الأوقاف»، في تسويق خطواتها قانونياً أمام الرأي العام، إلى غياب موظفين يتبعون لها منذ عام 2014 في المساجد والزوايا التي تنوي إغلاقها، والتي جرى الاكتفاء سابقاً بتعاقدات مع المسؤولين عنها. وطوال سنوات حكم عبد الفتاح السيسي، سيطرت الوزارة على جميع المساجد غير الخاضعة لرقابة الدولة، كما نصبت فيها أئمتها الذين يلتزمون بما يُملى عليهم، في خطوة تعزّز القبضة الأمنية على دور العبادة التي يرى الأمن تهديداً من بقائها خارج السيطرة. ووفق المصادر، لا تنوي الوزارة إعادة العمل في هذه الزوايا حتى بعد انتهاء «كورونا»، أما ما ينجو منها فستوضع لها ضوابط مشدّدة حتى يتّخذ أصحابها قراراً بالإغلاق، من قبيل زيادة كلفة المياه والكهرباء أو المخالفة. وبالفعل، أُزيلت أكثر من زاوية تحت هذه الحجّة بقرارات رسمية، بل بمباركة وتأييد بفتاوى تشرعن هدم المساجد المخالفة التي وُصفت بأنها بنيت على غفلة من الدولة.
بالتوازي مع ذلك، تدافع «الأوقاف» ووزيرها عن عهد السيسي بأنه شهد بناء 1200 مسجد، منها مئات المساجد التي ستُفتتح خلال الشهرين: الجاري والمقبل، متغاضية عن عدد المساجد التي هدمها خلال المدّة الماضية (بحجّة وقوع بعضها في ما يُسمّيه السيسي حرم طريق عام)، علماً بأن من بينها أضرحة ترجع إلى مئات السنين، وهذه تحديداً - ولحساسية الموقف - نُقلت بعد هدمها من مكانها إلى مكان آخر، كما حدث في الإسكندرية ضمن مشروع تطوير محور المحمودية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا