الخرطوم | وُقّع، أول من أمس، في عاصمة جنوب السودان جوبا، «اتفاق سلام» بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلّحة. ويشمل الاتفاق ثمانية بروتوكولات لمسار دافور، بما فيها بروتوكول الترتيبات الأمنية، والذي يُعدّ من أعقد الملفات. ووافقت الحركات المسلّحة، بموجب هذا الأخير، على استمرار وقف الأعمال العدائية للأغراض الإنسانية، على أن يُوقِّع الطرفان لاحقاً اتفاقاً دائماً لوقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ في غضون 72 ساعة من توقيع الاتفاق الأساسي. كما اتّفق الطرفان على إنشاء «اللجنة العسكرية المشتركة للترتيبات الأمنية» للإشراف على تنفيذ الاتفاق ومراقبته، ومن أجل دمج قوات الحركات المسلحة في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى، على أن تكتمل عمليات فحص تلك القوات وفرزها خلال 90 يوماً، مع إبقاء القوات المدمَجة في دارفور لمدّة 40 شهراً. ويدعو بروتوكول الترتيبات الأمنية، أيضاً، إلى إصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية عبر خطط ومناهج يضعها المجلس الأعلى للأمن والدفاع . ومضت المفاوضات، التي استضافتها جوبا طيلة العام الماضي، في خمسة مسارات هي: مسار إقليم دارفور، مسار ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، مسار شرق السودان، مسار شمال السودان ومسار الوسط. ومن بين مآلات تلك المسارات، بدا لافتاً حصول منطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق على حق الحكم الذاتي الذي تمارسان بموجبه السلطات المنصوص عليها في الاتفاق، وتعملان على صياغة دستوريهما، وتمارسان جميع الحقوق الخاصة بالتشريعات على أن يتمّ تأسيس هذه الأخيرة على دستور 1973. وفي مقابل الحقوق الولائية التي تحصّلت عليها المنطقتان، نَصّ الاتفاق على سلطات واختصاصات مشتركة مع حكومة السودان كالصلاحيات الخاصة بالشرطة والسجون والدفاع المدني والجمارك. أمّا الثروات الخاصة بالمنطقتين وما يدخل إليهما من مواردهما الطبيعية وعائداتهما الضريبية فتُوزّع بنسبة 40% لحكومة الولاية و60% للحكومة القومية لمدّة عشرة أعوام. وهذا ما أثار استغراب المحلّلين على اعتبار أن المدّة الزمنية للتوزيع المتقدّم تعني أن المنطقتين ستحتفظان بالحكم الذاتي وما يستتبعه من امتيازات لعشرة أعوام. كذلك، اتفق الطرفان على استيعاب مواطني المنطقتين في الوظائف القومية العليا والوسيطة من وكلاء الوزارات والدبلوماسيين ومدراء الجامعات ومدراء الإدارات العامة ورؤساء الأقسام في الوزارات والمفوضيات والبنك المركزي والبنوك الحكومية، على أن يتمّ تعيينهم بقرار سياسي خلال ستة أشهر من تاريخ التوقيع على اتفاق السلام النهائي، وهو ما اعتبره مراقبون استنساخاً لنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، الذي مَكَنّ منسوبيه في الوظائف الحكومية بقرارات سياسية من دون إخضاعهم للمنافسة الحرّة.
لم تُوقّع اثنتان من كبرى الحركات المسلّحة على الاتفاق


اللافت أيضاً هو حرص الحركات المسلّحة على أخذ نصيبها من سلطات الفترة الانتقالية وهياكلها، وهو ما يجعل الاتفاق - في نظر مراقبين - أقرب إلى المحاصصة السياسية منه إلى اتفاق سلام يخاطب جذور الأزمة، ويسعى إلى إيجاد حلول لمشاكل المناطق المعنيّة به. إذ اتُّفق على تمثيل الأطراف الموقعة في «مجلس السيادة» الحالي بثلاثة أعضاء، وخمس حقائب وزارية أي ما يعادل 25% من مجلس الوزراء، فضلاً عن 75 مقعداً في المجلس التشريعي من أصل 300 مقعد أي بنسبة 25% أيضاً، وذلك حتى نهاية الفترة الانتقالية. ليس هذا فحسب، بل إن الأطراف الموقعة ضَمِنت حق الأشخاص المشاركين في هياكل السلطة الانتقالية في الترشّح في الانتخابات التي ستجرى في نهاية الفترة الانتقالية، في مخالفة للمادة 20 من الوثيقة الدستورية، والتي نصت على منع الأشخاص الذين شاركوا في هياكل السلطة الانتقالية من الترشح في الانتخابات. ولم تكتفِ الأطراف الموقعة بأخذ أنصبتها من هياكل السلطة القومية، بل ورد في الاتفاق نصّ يضمن لمسار وسط السودان ومسار الشمال نسبة 10% من السلطة في كلّ من الولاية الشمالية وولاية نهر النيل وولاية سنار وولاية الجزيرة وولاية النيل الأبيض، فضلاً عن نسبة مماثلة في كلّ من ولاية شمال كردفان وولاية غرب كردفان.
وفيما أُعلِن أن نصوص الاتفاق ستدخل ضمن «الوثيقة الدستورية»، وفي حال تعارضها معها يتمّ تعديل الوثيقة لا الاتفاق، وَجَّه رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، رسالة إلى قائد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» عبد العزيز الحلو وقائد «حركة تحرير السودان» عبد الواحد محمد نور، دعاهما فيها للانضمام إلى الاتفاق، من أجل «التوصّل إلى اتفاق وطني شامل يضمن إكمال بناء السلام والاستقرار».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا