الحسكة | يتداول الكثيرون من سكّان الحسكة صورة لرجل ثمانيني يستعير كرسيّ الإعاقة من ابنه، لينقل به 20 ليتراً من المياه، في ترجمة لحالة الخدمات الكسيحة في المحافظة، بفعل سياسات الاحتلالين الأميركي والتركي، ومحدودية سلطة الدولة السورية هناك. التفاعل مع تلك الصورة تصاعد بعدما أوقف الجانب التركي، مجدّداً، ضخّ المياه من محطّة علوك، للمرة الثالثة عشرة على التوالي منذ احتلاله رأس العين وأريافها، ليترك أكثر من مليون مدني في الحسكة وأريافها من دون أيّ مصدر مائي. وتبدو المشكلة هذه المرّة مضاعفة، في ظلّ الحاجة المتزايدة إلى المياه ضمن الإجراءات الوقائية لمنع تفشّي فيروس كورونا، والذي سجّلت المحافظة رسمياً 22 إصابة به، إضافة إلى الارتفاع الحادّ في درجات الحرارة. وسبق إيقافَ الضخ من المحطّة تعمّدُ الجانب التركي تخفيض الوارد المائي إلى مستويات متدنية جداً، في محاولة للضغط على الجانبين السوري والروسي، ودفعهما إلى إرسال ورشات لصيانة خطوط الكهرباء في مدينة رأس العين، بما فيها خطوط تغذّي مراكز الجماعات المسلّحة. وقوبلت الخطوة التركية الأخيرة بقيام «الإدارة الذاتية» الكردية بفصل التغذية الكهربائية عن محطّة كهرباء مبروكة، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن رأس العين وتل أبيض وأريافهما.وتُنذر أزمة المياه في الحسكة، والتي بلغت اليوم العاشر في المدينة وأريافها والثاني والعشرين في الأحياء الشمالية منها، بكارثة إنسانية، في ظلّ نفاد أغلب الكميات المخزّنة من مياه الشرب والاستهلاك، وعجز الصهاريج عن تلبية احتياجات السكان. ويشرح مدير مؤسّسة المياه في الحسكة، محمود العكلة، لـ»الأخبار»، واقع المياه منذ احتلال الجيش التركي والمجموعات المسلّحة التابعة له محطّة مياه علوك في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019. يقول العكلة إن «تركيا قطعت المياه عن نحو مليون مدني في الحسكة وأريافها للمرة الثالثة عشرة منذ احتلالها المنطقة، لترتكب بذلك جريمة حرب موصوفة، حرمت خلالها المدنيين من المصدر المائي الوحيد المتوفر لهم». ويكشف العكلة عن «تعمّد الاحتلال التركي خلال الشهرين الأخيرين تشغيل المحطّة بحدودها الدنيا، ما أدّى إلى انخفاض الوارد المائي من 100 ألف متر مكعب إلى أقلّ من 20 ألف متر مكعب»، مضيفاً أن «هذه الممارسات أدّت إلى ارتفاع التقنين، وعدم وصول المياه إلّا كلّ 12 يوماً لكلّ حيّ من أحياء المدينة». ويلفت إلى أن «المفاوضات مستمرة بين الجانبين الروسي والتركي لإيجاد حلول، وإعادة ضخّ المياه إلى المدينة». وفي هذا الإطار، يلفت مصدر مطّلع على مسار المفاوضات، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «محافظ الحسكة أبلغ الجانب الروسي إصرار الحكومة السورية على تشغيل المحطّة بطاقتها القصوى، وإعادة عمال التشغيل والصيانة إليها، مع ضمانات بعدم خفض الوارد من المحطة»، مشيراً إلى أن «الجانب التركي يصرّ على الاتكال على الجانب الحكومي لتخديم مناطق احتلّها مؤخراً، مع تشغيل المحطّة بعمال يتبعون للمجلس المحلي التابع للأتراك في المدينة». بناءً عليه، تتوقع مصادر مطّلعة على القضية أن «تتواصل الجهود الحكومية والروسية لإعادة تشغيل محطّة علوك بطاقتها القصوى وإعادة العمّال إليها، مقابل الاكتفاء بتغذية تل أبيض ورأس العين بالكهرباء من محطّة مبروكة، من دون التدخل في أعمال الصيانة».
انخفض الوارد المائي من 100 ألف متر مكعّب إلى أقلّ من 20 ألفاً خلال الشهرين الأخيرين


وفي ظلّ المخاوف من امتداد عمر الأزمة، واحتمال استمرار الجانب التركي في تعنّته، أعلنت «الإدارة الذاتية» الكردية إدخال 25 بئراً من آبار محطّة الحمة إلى الخدمة، وبدء الضخّ باتجاه أحياء المدينة اعتباراً من يوم الأحد. على أن هذا الإعلان يبدو شكلياً فقط، بهدف تصعيد الضغوط على أنقرة من بوابة وجود بدائل لمحطّة علوك وإمكانية الاستغناء عنها مستقبلاً. ومما يؤكد ذلك، حقيقة أن الطاقة الإنتاجية لآبار الحمة التي أُعلن إدخالها في الخدمة غير قادرة على توفير إلّا أقلّ من 10% من حاجة المحافظة، والبالغة يومياً أكثر من 80 ألف متر مكعّب من المياه.
في هذا الوقت، أطلق عدد من أهالي الحسكة حملة «استغاثة» على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «الحسكة تختنق عطشاً»، في محاولة للفت الأنظار إلى مأساتهم. ويقول أحد منظّمي الحملة، لـ»الأخبار»، إن «الغاية منها لفت النظر إلى جريمة حرب تُرتكَب بحق مليون مدني، يعانون من فقدان ونقص في مياه الشرب منذ عدة أشهر»، مضيفاً أن «الهدف هو إيصال الصوت للمنظمات الدولية والأمم المتحدة للضغط على تركيا ولجمها، ومنعها من استخدام المياه كورقة ابتزاز في حربها على الشعب السوري». ويشدّد على ضرورة أن «تستخدم الدولة السورية ورقة السماح لتركيا بإمداد نقاطها المحاصَرة في حلب وحماة وريف إدلب بالمؤن، مقابل ضخّ المياه إلى الحسكة، لتكون ورقة ضغط حكومية إضافية على الجانب التركي».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا