بينما تتزايد، أو تتبدل، التحالفات في المنطقة، تبدو لافتة كثرة الدول التي تدخل في صدامات مع تركيا مقارنة بتحالفات محدودة للأخيرة ارتباطاً بمواقفها السياسية في قضايا عديدة، لكن تبقى هذه التحالفات حتى اليوم تحافظ على التناقضات داخلها. ففي الوقت الذي تستقوي فيه قبرص واليونان بعضوية الاتحاد الأوروبي وتستغل تركيا وجودها في «حلف شمال الأطلسي»، تبدو احتمالية المواجهة العسكرية بين اليونان وقبرص، مع تركيا، شبه مستحيلة، خاصة أن الأزمات الداخلية في الاتحاد والموقف الألماني الراغب في وقف التصعيد مع تركيا، عوامل تدفع إلى إرجاء أي أزمات جديدة. مع ذلك، تتفهم برلين رغبة أثينا ونيقوسيا في الحفاظ على حقوقهما في ثروات المتوسط، لكنها ترى أن اللحظة غير مناسبة للاشتباك بسبب قضايا أخرى أكثر أهمية، وهو موقف تتشارك فيه مع باريس، رغم الدعم الفرنسي للعاصمتين، لكن الدعم لن يصل إلى درجة الاشتباك، في وقت تبحث فيه روما عن مصالح شركتها الأهم، «إيني»، المستثمر الأكبر في الاكتشافات وصاحبة الحصة الكبرى في النشاط في المنطقة.الموقف الألماني ــ الفرنسي هو السبب الرئيسي في منع الاحتكاك بين تركيا واليونان، خاصة أن الأخيرة بعد توقيع اتفاقيتها مع مصر باتت حدودها في منطقة أعالي البحر شبه واضحة، وهي قد استبقتها باتفاقية مع جارتها إيطاليا، فيما ستبدأ العمل في بعض المناطق التي لا خلاف عليها في أقرب وقت، ضمن خطوة من أجل التوسع في مجال اكتشافات الغاز. ويمكن فهم الموقف الأوروبي في سياق التحالفات الموجودة في المنطقة من أجل تقسيم ثروات شرق المتوسط على الدول بما يتوافق مع القانون الدولي، وهو ما يفسّر التحالفات القائمة في «منتدى غاز شرق المتوسط».

تحالف مصري قبرصي يوناني
عملت الدول الثلاث الأساسية في المنتدى منذ 2014 على تقوية التحالف إلى جانب الاعتراض على أي تحركات تركية في المنطقة، خاصة مع الرغبة المصرية في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط، مستفيدة من موقعها الإقليمي ووجود مناطق جاهزة يمكن تخزين الغاز فيها وتصديره. وبخلاف الاتفاقية القديمة التي وقّعت في عهد محمد حسني مبارك بين القاهرة ونيقوسيا من أجل ترسيم الحدود البحرية، وقّعت اتفاقية أخرى قبل سنوات بينهما ترسم الحدود البحرية بدقة، وتبعتها الشهر الماضي اتفاقية أخرى ترسم الحدود البحرية بين مصر واليونان، وهي اتفاقية تتداخل في ترسيمها الذي لم ينشر بعد مع ترسيم الحدود البحرية الموقّعة بين أنقرة وحكومة طرابلس، على ما تفيد مصادر مطلعة. بالتوازي مع ذلك، تزيد مصر واليونان تعاونهما الخاص على المستوى العسكري، وهو ما انعكس سواء في المناورات العسكرية للجيش المصري في المنطقة البحرية الخالصة أخيراً، أم في التدريبات المشتركة التي نفذتها مصر مع اليونان قرب جزيرة رودس في خريف 2017 واعترضت تركيا عليها رسمياً.
الموقف الألماني ــ الفرنسي سبب رئيسي في منع الاحتكاك بين تركيا واليونان


تحالف يوناني قبرصي إسرائيلي
ثمة تحالف آخر داخل المنتدى بين اليونان وقبرص وإسرائيل ظهرت بوادره عام 2010 حتى بلغ ذروته قبل مدة قصيرة، وهو قائم على تعزيز الاستفادة من موارد شرق المتوسط. صحيح أنه توجد اتفاقات ثنائية تم إبرامها مع تعزيز للتعاون العسكري خاصة بين إسرائيل واليونان بعد توقيع اتفاقية التعاون الأمني في 2011 التي تبعتها اتفاقية تعاون شبيهة سمحت لإسرائيل باستخدام القواعد العسكرية اليونانية، لكن اكتشافات الغاز هي حجر الزاوية في هذا التعاون. ويمكن القول إن تل أبيب لجأت إلى أثينا ونيقوسيا من أجل استبدال تحالفها مع الأتراك، وهو ما انعكس في اتفاقات التعاون التي وقّعت مع القبارصة، وكان بينها اتفاقية تعيين حدود المناطق الاقتصادية للطرفين في 2010، وتبعتها اتفاقات ثنائية عديدة، بينها اتفاقية أمنية تسمح لإسرائيل باستخدام مطارين في قبرص من أجل تزويد سلاح الجو الإسرائيلي بالوقود. ويتابع قادة هذه الأطراف منذ 2016 حتى اليوم اجتماعات دورية، يأتي في مقدمتها اكتشافات الغاز لمواجهة أي تحركات تركية، خاصة أن أنقرة لديها تحفظات على اعتبار بعض المناطق خاصة بقبرص واليونان.

تحالف تركي ليبي قبرصي ــ شمالي
التحالف الثالث هو التحالف التركي مع حكومة «الوفاق الوطني» الليبية بقيادة فائز السراج وحكومة قبرص الشمالية، وهو تحالف وإن كان أقل تأثيراً، فهو مرتبط بالمصالح التركية التي ترغب أنقرة في إقرارها، وسط معارضة ليس من باقي دول الجوار فقط بل من الشركات الخليجية العاملة في المنطقة التي بدأت بالاستثمار منذ مدة قصيرة في حقول النفط. ورغم المحاولات التركية لإقناع دول الجوار بالدخول في مفاوضات لترسيم الحدود البحرية، فإن الرؤية التركية المسبقة والقائمة على وضع شروط مرتبطة بطريقة النظر إلى ترسيم الحدود، ورفض أنقرة التوقيع حتى اليوم على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنظيم ترسيم الحدود البحرية، يدفعان دول الجوار إلى النظر إلى الرغبة التركية كمحاولة لاقتناص ما لا تملك من الأساس.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا