وبينما ينهي الاتفاق الإماراتي ــ الإسرائيلي «مبادرة السلام العربية» التي اعتُمدت في قمة بيروت عام 2002 بدفع سعودي، تعمل القاهرة وأبو ظبي الآن على «التحرّك في اتجاه قيادة مشتركة للعالم العربي، تكون قادرة على صياغة اتفاق سلام يخدم القضية الفلسطينية» من وجهة نظرهما، ويحقق مصالحهما المشتركة مع واشنطن وتل أبيب، ولا سيما في المجال الاقتصادي، بحسب المصادر عينها. وفي هذا الإطار، تتماهى مصر مع الادّعاءات الخليجية والأميركية عن أن أمام الفلسطينيين «فرصة لن تتكرّر»، ومهلة تراوح من عام إلى اثنين للدخول في المفاوضات قبل اتخاذ أيّ قرار إسرائيلي منفرد بالضم، وهو ما تضمّنه اتفاق التطبيع الأخير، وأكّده رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، حين قال إن ما اتُّفق عليه هو تأجيل الضم لا إلغاؤه.
تريد القاهرة وأبو ظبي «قيادة مشتركة للعالم العربي» تصوغ اتفاق تسوية واسعاً
وفي ظلّ «الاحتفاء» الدولي بالاتفاقية، واستمرار الضغوط على رام الله، تجري صياغة الرؤية المصرية - الإماراتية المشتركة حالياً، مع الاتفاق على إدخال الجامعة العربية في المناقشات في القريب العاجل لمناقشة «رؤية عربية جديدة» في التعامل مع القضية الفلسطينية. وتقول المصادر ذاتها إن مصر ترى في اللحظة الحالية «الأفضل والأنسب لإقرار عملية سلام لا يخسر فيها الفلسطينيون كثيراً على غرار كامب ديفيد»، مضيفة أن القاهرة "تريد الاستفادة مما يمكن أن تُسبّبه الضغوط الحالية لجهة إجبار الفصائل الفلسطينية على توحيد صفوفها مجدّداً، من أجل التوافق على رؤية يمكنها تقديمها وبدء التفاوض على أساسها، خاصة أن أبو ظبي والقاهرة لن تتفاوضا باسم الفلسطينيين، ولكن ستدعمان مطالبهم التي سيتفقون عليها»، كما تدّعيان.
تنشيط الوساطة الأردنية
الوجهة الثانية الرئيسة في الأيام الماضية كانت عمّان، التي جرت اتصالات مكثفة معها على مستويات رفيعة من أجل مناقشة مبادرة أردنية مقترحة لتسوية الأزمة بين مصر وتركيا، والوصول إلى «قواعد نقاش» يمكن البناء عليها خلال المرحلة المقبلة، تتضمّن التخلّي عن توفير الدعم للمعارضين المصريين الموجودين في تركيا، إضافة إلى تخفيف حدّة التوتر، سواء شرق المتوسط أو في ليبيا، الأمر الذي ربطته القاهرة بمطالب رئيسة، من بينها اعتذار تركي عن الإساءات التي صدرت بحق النظام المصري، ووقف الهجوم الإعلامي المنظّم ضدّه. ومن المطالب المصرية، أيضاً، «العودة إلى طاولة المفاوضات في الشأن الليبي، والتوقف عن الانتهاكات القانونية»، وذلك مقابل قبول القاهرة الدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة فائز السراج من أجل التوصّل إلى اتفاق تسوية يشمل جميع الأطراف، بمن فيهم قوات المشير خليفة حفتر الذي سيُقدّم تنازلات سياسية بدوره بضمانة مصرية. وهكذا، تعود الوساطة التي جُمّدت بحكم التصعيد إلى السير مجدداً، لكن من دون نتائج حتى الآن.
شراء رضى الخرطوم
من جهة أخرى، وفي محاولة لتحسين العلاقات مع النظام السوداني الجديد، خصوصاً في ظلّ أزمة "سدّ النهضة"، زار رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، الخرطوم، يوماً واحداً، التقى خلاله عدداً كبيراً من المسؤولين السودانيين، في مقدّمهم رئيس «مجلس السيادة» عبد الفتاح البرهان، إضافة إلى رئيس الحكومة عبد الله حمدوك. وأسفرت الزيارة مبدئياً عن إعلان «حزمة تعاون وتنسيق» ارتبطت بزيادة قدرة مشروع الربط الكهربائي بين البلدين من 70 ميغاوات ليكون 300، في خطوة تُعوّض جزءاً أساسياً مما كان السودان سيحصل عليه من «النهضة»، فضلاً عن مِنَح ومشروعات تنموية منها 200 منحة دراسية في جامعة الأزهر. صحيح أن البيان المشترك اقتصر على إعلان علاج 250 ألف سوداني من فيروس «سي» ضمن مبادرة السيسي لعلاج مليون أفريقي، إضافة إلى مشروعات الكهرباء، والاستعداد للمساهمة في علاج مصابي الثورة السودانية، لكن جرت مناقشة قضايا أخرى عالقة، من أهمّها الخلاف على حلايب وشلاتين، التي تسعى القاهرة إلى طيّ صفحة الخلاف في شأنها.
كذلك، تَعهّدت مصر بدعم السودان في رفع اسمه من قوائم العقوبات الدولية، لكنها شدّدت في المقابل على ضرورة ممارسة أقصى الضغوط على إثيوبيا من أجل توقيع اتفاق ملزم حول السدّ. ووفق مصادر متابعة، ترغب القاهرة في إبرام صفقة مع الخرطوم كي تستفيد الأولى من الحكومة السودانية الحالية بأقصى الدرجات الممكنة، خاصة في ظلّ التفاهم بين السيسي والقادة العسكريين في «السيادة»، مقابل دعم تَتحمّل بموجبه مصر الكلفة الأكبر، مع وعد بحلّ القضايا العالقة منذ حكم عمر البشير.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا