اتفاقية التطبيع التي وُقّعت بين إسرائيل والإمارات المتحدة، ليست فقط استهزاءً صريحاً بالفلسطينيين من جانب الطغمة الملكية الحاكمة في الإمارات، بل هي أيضاً احتيال دبلوماسي على أعلى مستوى. فما هو المكسب الذي يتظاهرون بالتفاوض حوله؟ يزعم النظام في أبو ظبي أنّه يكافئ إسرائيل على إيقافها ضم أراض في الضفة الغربية، أي إيقافها ارتكاب انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. ولكن مثل هذا الانتهاك يجري بالفعل حالياً متجسّداً في الاحتلال! من أجل هذا «التنازل» الإسرائيلي، يبصق الأمير محمد بن زايد على وجه الشعب الفلسطيني أمام كلّ العالم العربي. لكنّ تجميد بنيامين نتنياهو لخطط ضمّ الأراضي (ولو مؤقتاً) لا يغيّر أيّ شيء على الأرض. فمعاناة الفلسطينيين مستمرّة كالسابق تماماً، حيث يتعرّضون للإذلال يومياً على يد جيش الاحتلال، في نقاط التفتيش وفي الشارع وفي بيوتهم نفسها، بيوتهم التي تسوّيها إسرائيل بالأرض متى شاءت.
جرى تقديم الاتفاقية على أنها خطوة تاريخية إلى الأمام، ستقلّل التوتّرات في المنطقة. ودونالد ترامب ــــــ «أفضل صديق لإسرائيل دخل البيت الأبيض على الإطلاق» كما وصفه نتنياهو عند إعلان «خطة السلام» في كانون الثاني/ يناير ــــــ ينسب الفضل لنفسه ويأتيه التصفيق من لندن إلى باريس. لكنّ ما فعله ترامب ونتنياهو وابن زايد، ليس أكثر من خدعة إيهام، تذكّرنا بقصّة العنزة القديمة: حيث جاء رجل إلى شيخ القرية يشكو له من زوجته المزعجة وأطفاله المشاكسين وبيته الضيّق، فينصحه شيخ القرية بشراء عنزة والعودة بعد أسبوع، وعندما يعود الرجل بعد أسبوع يبدو في حال أتعس فقد أضيفت إلى معاناته القديمة مشكلة العنزة التي تتبرّز في كلّ مكان وتلتهم كلّ شيء وتثغو طوال اليوم. وعندها يشير عليه شيخ القرية: تخلّص الآن من العنزة وستكون شاكراً لحالك الأولى كما هي عليها! كانت خطط نتنياهو للضمّ هي العنزة التي عرضها على السياسيين الغربيين والحكومات والمنظمات، على الأقل في أوروبا والولايات المتحدة. فإذا ما جمّد خطط الضم أو أجّل تنفيذها عاد الاحتلال هو الوضع الطبيعي الجديد، الذي تعايش العالم معه منذ زمن طويل.
بالنسبة إلى نتنياهو، فإنّ الأُغنية التي يؤديها للجمهور في داخل إسرائيل تختلف عن الدويتو الذي يؤدّيه مع ترامب للجمهور العالمي. فعلى العكس من سياسيي الغرب المتحرّجين، يتكلّم نتنياهو عن ضمّ الأراضي الفلسطينية كلاماً يحبّه ناخبوه الإسرائيليون، وهؤلاء قد يعاقبونه في أي انتخابات جديدة محتملة، إذا ما «خذل» المستوطنين. لهذا يعيش التحالف الحكومي الآن حالة من الهشاشة.
كما أنّ الاتفاقية مع الإمارات وفّرت لنتياهو مادة دفاعية في وجه دعاوى الفساد الخطيرة المثارة ضده والتظاهرات الكبيرة التي قامت احتجاجاً على الفساد وعلى طريقة التعامل مع فيروس «كورونا». فمع هذه الاتفاقية، يمكنه الآن التباهي بصفقة جلَب فيها لإسرائيل انتصاراً دبلوماسياً كبيراً مقابل: لا شيء، حرفياً!
تطبِّع الاتفاقية، بشكل كامل، العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ولكنّها ــــــ في واقع الأمر ــــــ لن تُحدث تغييراً كبيراً في هذه العلاقات، فقد كانت هذه قائمة طوال الوقت وإن بشكل غير علني، مثلما الأمر مع السعودية، وقد تبادلت الدولتان مع إسرائيل المعلومات الأمنية سرّاً لوقت طويل. لكن أهمية الاتفاقية تتأتّى من رمزيّتها في العالم العربي، وهي رمزية خطيرة وهائلة.
يبقى أن نرى إذا ما كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو محقّاً في قوله إنّ التطبيع الإماراتي ستتبعه تطبيعات أخرى مع دول عربية قريباً، مع استمرار الاحتلال والأبارتايد الإسرائيليين كما هما.
من المريح التخلّص من العنزة، يهمس الساسة الأوروبيون والأميركيون بعضهم لبعض الآن!

(ماركوس جونسون ـــــ عن مجلّة «بروليتارين» الأسبوعية الصادرة في ستوكهولم)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا