الخرطوم | تتسارع التطورات داخل أروقة «تجمّع المهنيين السودانيين»، الكتلة النقابية التي قادت الحراك الشعبي، إلى أن أطيح نظام الرئيس المخلوع عمر البشير. وفي خطوة مفاجئة، أعلن التجمّع، أمس، تحالفه مع «الحركة الشعبية» (بقيادة عبد العزيز الحلو) التي تسيطر على جنوب كردفان بعيداً من السلطة المركزية في الخرطوم، وترفع شعار الحكم العلماني. وهو شعارٌ وجد انعكاسه في نصّ الاتفاق بين الطرفين، والذي تمّ توقيعه في جوبا - عاصمة جنوب السودان - أمس، حيث تمّ التشديد على بناء دولة مدنية تقوم على فصل الدين عن الدولة بما يضمن حرية المعتقد والنشاط الديني. سبق تلك الخطوةَ إعلانُ التجمع سحب اعترافه من كلّ الهياكل القائمة لتحالف «قوى الحرية والتغيير»، وعلى رأسها الجسم المركزي، الذي «يٌقيّده تضارب المصالح، وتغيب عنه الإرادة والرغبة الذاتية في الإصلاح، والذي حاد أيضاً عن بنود إعلان الحرية والتغيير» وفق ما ورد في بيان «المهنيين». واستناداً إلى ما جاء في البيان، فقد بدا أن سكرتارية التجمّع رتّبت كل الخطوات اللاحقة لقرار الانسحاب الذي لم يكن مفاجئاً للأوساط السياسية، إذ إنها دعت القوى الثورية - سواء الموقّعة على «إعلان الحرية والتغيير» أو غير الموقّعة - إلى مؤتمر عاجل هدفه إعادة هيكلة هذا التحالف، حتى يتمكّن من القيام بدوره في «حماية مكتسبات الثورة». لكن بعيداً من تلك الشعارات، يسود شبه إجماع على أن السبب وراء ارتماء «المهنيين» في أحضان الحركات المسلحة ناتج من رفض الجسم المركزي لـ»الحرية والتغيير» المرشّحين لتولّي مهمّات السكرتارية الجديدة في التجمّع، والذين أثار انتخابهم أول حالة انقسام داخل التكتل النقابي في أيار/ مايو الماضي. إذ إن بعض مكوّنات التجمّع طعنت في نتيجة الانتخابات بدعوى تجاوزها لكلّ اللوائح والتوافقات النقابية، متّهمة تياراً حزبياً داخل «المهنيين» باختطاف الجسم النقابي وتجييره لمصلحته. وهو ما دعا الفصيل الذي يعتبر أنه شرعي إلى البحث عن تكتلات جديدة، وقلب الطاولة على الجميع بِمَن فيهم «قوى الحرية والتغيير»، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، والتوقيع على اتفاق مع حركة مقاتلة تتخذ من السلاح وسيلة لتحقيق أهدافها، ضارباً بذلك بشعار «السلمية» عرض الحائط.
ويرى محللون أن زيارة وفد التجمّع لجوبا، وعقده لقاءً هناك مع رئيس «الحركة الشعبية» نهاية الأسبوع الماضي، لم يكونا سوى تمهيد لقرار الانسحاب من «الحرية والتغيير»، ومن ثمّ الإعلان عن ميلاد تكتل سياسي جديد على طريق «تطوير ميثاق أشمل يهدف إلى بناء منصة لمشروع وطني للسودان على أسس جديدة متفق عليها». ومن بين أهمّ البنود التي تضمّنها الإعلان المشترك مراجعة الوثيقة الدستورية التي تمّ التوقيع عليها عقب إطاحة نظام البشير، ومراجعة جميع القوانين والمراسيم، وتقسيم ثروة السودان على نحو عادل، وإعادة هيكلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وتسليم المتهمين في جرائم دارفور لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات الدولية.
ويصف مراقبون خطوة «المهنيين» بأنها قفزة في الظلام، على اعتبار أن التجمع فقد بإقدامه عليها كلّ المكاسب التي كان قد حقّقها، ووضع نفسه في مواجهة الحكومة التي أتى بها، على رغم حراجة الظروف التي تمرّ بها البلاد. ومن هنا، يعتقد البعض أنه كان الأجدى بـ»المهنيين» أن يعمل على تقويم مسار الحكومة، ومعاونتها على التغلّب على تلك التحدّيات، وإدخال إصلاحات جوهرية في القيادة المركزية لـ»قوى الحرية والتغيير»، بدلاً من الاستقواء بالحركات المسلحة التي ظلّت هي نفسها ترحّب بجهود الحكومة الانتقالية لتحقيق السلام، وتواصل التفاوض مع السلطة المركزية في هذا السبيل. وفي ردود الفعل على قرار «المهنيين»، أعلن فرع التجمّع في ولاية الجزيرة وسط السودان، في بيان، رفضه كلّ الخطوات التنظيمية التي أقدم عليها الفرع المركزي، والتي اتّخذت بمعزل عن تجمّعات المهنيين في الولايات. ووصف البيان تلك الخطوات بأنها «تصعيد عجول يفتقر إلى الحكمة المطلوبة»، مجدّداً الثقة بحكومة عبد الله حمدوك، ومؤكداً استمرار التنسيق مع مكوّنات «الحرية والتغيير» في الولاية إيماناً بـ»ضرورة وحدة القوى الثورية».