عوامل فشل زيارة باراك أوباما للرياض باتت أكثر مما ينبغي. ومن يراقب أداء الطرفين، الزائر والضيف، في الأيام الأخيرة يخرج بخلاصة واحدة: أن ثمة زهداً في الزيارة، حتى بات هناك من يترقّب صدور إعلان من البيت الأبيض بتأجيل الزيارة إن لم يكن إلغاؤها لعدم توافر شروط نجاحها، تماماً كما هي الجولة الخليجية التي أُلغيت للسبب نفسه.
سقف التوقعات السعودية تدنى بصورة تدرّجية منذ إعلان الزيارة في 3 شباط الماضي، حتى بات ينظر إليها الجانب السعودي وكأنها زيارة عادية، بلا أجندة محدّدة باستثناء (تهدئة المخاوف السعودية).
في المعلن من أنباء الزيارة، يأتي أوباما إلى الرياض بهدف (تقوية الروابط) على حد تعبير هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في 3 شباط الماضي، على خلفية السخط السعودي من سياسات أوباما في المنطقة، وخصوصاً في ملفي سوريا وإيران. وأحدث قرار أوباما برفض شنّ ضربات عسكرية على سوريا على خلفية استعمال الأسلحة الكيميائية صدمة عنيفة لدى السعوديين، انعكس فوراً على أدائهم السياسي المتقلّب في أكثر من محطة على مستوى المنطقة والعالم. وعبّرت السعودية عن خيبة أملها في رفض تسليح الجماعات المقاتلة في سوريا لإسقاط الرئيس بشار الأسد، فيما كانت واشنطن ترى أن الجماعات التي تدّعي السعودية أنها معتدلة هي ليست كذلك، وأن ثمة خشية من وصول الأسلحة إلى المكان الخاطئ.
في الملف الإيراني، هناك موقف صريح وثابت لدى السعوديين، عبّر عنه السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف في مقالة له في «نيويورك تايمز» العام الماضي، حين وصف المفاوضات بين إيران والقوى الغربية بشأن الملف النووي بأنها «مقامرة خطيرة»، فيما كان رئيس الاستخبارات العامة الأسبق وسفير الرياض في لندن وواشنطن سابقاً تركي الفيصل، يواصل هجومه على الجمهورية الإسلامية في كل مناسبة بسبب مشروعها النووي وتدخلها في سوريا.
الصحيفة السعودية الصادرة باللغة الإنكليزية «عرب نيوز» كتبت في 6 آذار الماضي أن العيون موجّهة نحو الرياض، وأن الزيارة تستهدف تأكيد العلاقات الوثيقة والعريقة بين الولايات المتحدة والسعودية. وشأن كل الصحف السعودية والأوروبية المحافظة، فإن الهدف المتوقّع من الزيارة هو طمأنة أوباما للملك السعودي عبد الله إلى بقاء الدعم الأميركي للعائلة المالكة ومصيرها في الجزيرة العربية.
صمت البيت الأبيض حيال جدول أعمال الزيارة والملفات التي سيجري طرحها وتداولها بين أوباما وعبد الله، ينطوي على احتمالات عديدة، من بينها أن لا موضوعات جدّية ستكون مورد تداول، أو أنها قد تكون بالغة التعقيد، ما يتطلب سرية عالية خشية فرطها، أو أن شكوكاً بنجاحها تحول دون مجرد التلميح إليها.
في زيارة أوباما الأخيرة في 3 حزيران عام 2009، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس أن أوباما سيلتقي الملك عبد الله في الرياض وسيناقش مجموعة قضايا، من بينها: السلام في الشرق الأوسط، إيران، والإرهاب. وأضاف إلى ذلك أن أوباما لن يقوم بأي نشاطات علنية (محاضرات، مؤتمر صحافي، ندوة... إلخ) خلال فترة إقامته في المملكة.
أما في هذه الزيارة المثيرة للجدل، فلم يصدر عن البيت الأبيض بيان يتعلق بموضوعاتها، سوى ما تتناقله الصحف من توقعات، وتدور في الغالب حول القلق السعودي على مستقبل التحالف الاستراتيجي والتاريخي بين واشنطن والرياض، وخصوصاً أن الزيارة تأتي بعد سلسلة ثورات شعبية في الشرق الأوسط، أطاحت رؤوساً كبيرة مثل حسني مبارك، زين العابدين بن علي، معمر القذافي، وعلي عبد الله صالح. ولا تزال بعض الدول تشهد ارتجاجات أمنية عنيفة تكاد تجعل خريطة الشرق الأوسط أمام تحوّلات بنيوية خطيرة.
لا يكف بعض الدبلوماسيين الأميركيين المكلَّفين العلاقة مع الرياض عن ترديد العبارة التقليدية: «إن العربية السعودية شريك وثيق الصلة بالولايات المتحدة، وإن العلاقات الثنائية بين البلدين راسخة ولا تتأثر بتغييرات هنا وهناك».
بيد أن هذا النوع من التصريحات لم يعد كافياً لطمأنة الرياض الخائفة على مصير الكيان. ومن اللافت، أن العلاقة بين الرياض وواشنطن تتحدّد ضعفاً وقوة من خلال المسافة الفاصلة بين واشنطن وطهران، فكلما تقلّصت المسافة بينهما ساءت العلاقة بين واشنطن والرياض. لذلك، كانت المخاوف السعودية في أعلى مستوياتها حين قررت إدارة أوباما البدء برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على إيران في مقابل وقف تخصيب اليورانيوم لفترة من الوقت وخفض جزئي لمخزون اليورانيوم.
قبل أيام من موعد الزيارة، بدأت حملة ضغوطات وضغوطات مضادة بين الجانبين الأميركي والسعودي. في الجانب الأميركي، أطلقت الصحف ومراكز الدراسات في الولايات المتحدة قائمة توصيات للرئيس الأميركي لطرحها على القيادة السعودية تتعلق بالإصلاح، وحقوق الإنسان، وإصلاح المناهج الدينية، ووقف الجماعات الإرهابية تمويل ودعمها.
وقد رفع أكثر من خمسين عضواً في الكونغرس مناشدة لأوباما، لطرح قضية اثنين من أبرز الناشطين في مجال حقوق الإنسان في المملكة السعودية، هما عبد الله الحامد ومحمد القحطاني، المعتقلين بتهمة تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) دون ترخيص. كذلك طالب الأعضاء بزيارة عائلتيهما، تعبيراً عن التضامن مع المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة السعودية، ذات السجل (المثير للقلق) بحسب توصيف التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية.
من جهة ثانية، كتب إيلي ليك في «ذي ديلي بيست» في 25 آذار مقالاً عن تشجيع مقررات التعليم الدينية في السعودية على التطرّف، وأن ضغوطات تتزايد على وزارة الخارجية الأميركية لنشر دراسة أميركية رسمية شاملة عن مقررات التعليم في المملكة. تشير ليك إلى أن الانتهاء من الدراسة كان في أواخر سنة 2012، لكن لم تُنشَر للعلن، بحسب تقرير صدر أخيراً عن مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن تنتمي إلى يمين الوسط.
ويقول مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون إن وزارة الخارجية فوّضت في عام 2011 إلى المركز الدولي للدين والدبلوماسية (ICRD)، وهو مؤسسة غير ربحية تعمل على تشجيع التسامح الديني، لتقويم المقررات الدراسية السعودية في عام 2011، بسبب أن الجهود السابقة التي بذلت في هذا الشأن لم تكن شاملة. وبحسب مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات اعتماداً على مصادر مقرّبة من المركز، فإن المقررات الدراسية السعودية (تخلق بيئة تشجّع الخصوصية، التعصّب، وتدعو إلى العنف بما يعرّض الأقليات الدينية والإثنية للخطر). مصادر مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية تحدّثت عن قرار الإدراة الأميركية بعدم نشر الدراسة بعد استكمالها أواخر 2012، لكون المقررات الدراسية السعودية تحتوي على مواد تنزع الخصائص الإنسانية عن اليهود والمسيحيين، بما يسيء إلى صورة السعوديين.
في المقابل، ردّت الرياض عبر ضغوطات مضادة. بدأت برفض أي وساطة أميركية في الخلاف السعودي ـــــ القطري، الأمر الذي أدى إلى إلغاء البيت الأبيض لجولة أوباما الخليجية. نشير إلى أن طلبات عدّة وصلت إلى إدارة أوباما من قادة خليجيين بزيارة بلدانهم بعد لقائه الملك السعودي. ثانياً، في ختام القمة العربية، جاء إعلان الكويت بنبرته العالية والثورية إلى حد ما ليبعث برسالة واضحة وجماعية إلى الإدارة الأميركية باستبعاد ملف التسوية الإسرائيلية ـــ الفلسطينية من أي نقاش مع الملك عبد الله، ولسان حاله «كما خيّبتم آمالنا في الملف السوري سنخيّب آمالكم في ملف التسوية».
لم تكن صحوة عربية مفاجئة هي التي تقف وراء رفض الحديث عن الدولة اليهودية، وتأكيد حق سوريا في استعادة الجولان، وتوجيه التحيّة إلى لبنان ومقاومته في حرب تموز 2006. شهادات إطراء خارج السياق، والأسباب واضحة:
ـ مصر ليست على وفاق مع الولايات المتحدة، وكانت الأخيرة قد أعلنت قبل أيام مراجعة موضوع المساعدات.
ـ إلغاء الجولة الخليجية من جانب البيت الأبيض، جعل دول الخليج في حلّ من أي التزام سياسي مع واشنطن.
ـ السعودية خسرت رهانها على ضربة عسكرية أميركية على سوريا، ولا تجد نفسها ملزمة بتقديم تنازل في الموضوع الفلسطيني، رغم حصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري على موافقة سعودية بإقرار مبدأ يهودية الدولة الإسرائيلية، ولكن تبدّل الحال لاحقاً.
في سياق المناكفة أيضاً، قررت السعودية رفض منح تأشيرة دخول للصحافي الأميركي، مايكل ويلنر، الذي يعمل في صحيفة «جيورزاليم بوست» الإسرائيلية، وعبّر البيت الأبيض عن «خيبته العميقة». وكان مقرراً أن يكون ويلنر من بين الفريق الصحافي الذي سيغطي زيارة أوباما للمملكة. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي برنديت ميهان في 25 آذار الجاري: «إننا سنواصل التعبير عن قلقنا الجاد حيال هذا القرار غير الموفّق».
في حقيقة الأمر، إن الرفض لم يكن بسبب أن الصحافي إسرائيلي أو يعمل في صحيفة إسرائيلية، بل هو جزء من المناكفة السعودية. يتذكر المراقبون للشأن السعودي زيارة وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً مادلين أولبرايت للرياض في كانون الأول 1999 حيث وجدت في انتظارها الصحافية الإسرائيلية ومديرة مكتب واشنطن التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أورلي أزولاي كاتز، وكانت قد باشرت العمل في السعودية بعدما منحتها السلطات هناك تأشيرة نافذة لمدة شهرين، كممثلة للصحيفة. وقالت حينذاك إنها لا تواجه أي مشاكل في الاتصال بمكتبها الرئيسي في الدولة العبرية. اللافت أن أولبرايت كانت تصطحب معها كذلك ديفيد ماكوفسكي رئيس تحرير صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن الصحافية الإسرائيلية أورلي أزولاي قد زارت الرياض مرتين لتغطية وقائع القمة العربية برفقة بان كي مون في مارس 2008. وذكرت «يديعوت أحرونوت» أن الخارجية السعودية هي التي منحت مراسلتها أزولاي تأشيرة زيارة للسعودية، من أجل تغطية القمة العربية. وقد استقبلت بحرارة وخاطبها ممثل عن وزارة الإعلام السعودية بأنها مرحب بها في بلاده «ولا يوجد أي داع للقلق».
في كل الأحوال، وفي الحصيلة، لا يتوقع المراقبون أن يحدث اختراق في زيارة أوباما للرياض، بل هناك ما يفيد بأنها أقرب إلى العادية، وأبعد ما تكون عن الاستثنائية، ببساطة لأن عوامل التباين باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى أكبر من عوامل الانسجام بين واشنطن والرياض، وعلى السعودية أن تعتاد التغيير في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط وفي العالم.




تراجع التبادل التجاري في 2013

شهد عام 2013 تراجعاً في التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة بنسبة 1.8% لتصل إلى 75.2 مليار دولار.وبحسب وزارة التجارة السعودية، بلغ حجم واردات المملكة خلال 2013، 22.1 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات إلى الولايات المتحدة 53.1 مليار دولار.وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، تعتبر الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للمملكة في العالم، وبلغ التبادل التجاري بين الدولتين 76.6 مليار دولار في 2012، لتستحوذ أميركا على 14.1% من حجم التبادل التجاري للمملكة مع العالم.ووفقاً للبيانات المتاحة على موقعي وزارة التجارة الأميركية ومجلس الأعمال السعودي الأميركي، تعد المملكة تاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، والمستورد رقم 20 منها في 2012. وتُظهر بيانات المجلس السعودي الأميركي أن الولايات المتحدة هي أكبر دول العالم في الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية. وقالت وزيرة التجارة الأميركية خلال زيارتها أخيراً للسعودية، إن قيمة الاستثمارات الأميركية في المملكة تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية، من 5 مليارات دولار إلى 10 مليارات دولار.
(الأناضول)