القاهرة ــ الأخبار... وأخيراً، المشير عبد الفتاح السيسي يعلن رسمياً ترشّحه للانتخابات الرئاسية. حدث انتظره المصريون يوميّاً منذ أشهر، من دون أن يتيقّنوا لحظة واحدة إن كان سيحصل. هي أشهر التكهنات التي مرّت ثقيلة على أنصار المشير وكانت مقلقة لخصومه ومربكة لمراقبي حركته في الخارج. لكنها تكهنات حسمها القائد العام للقوات المسلحة في أعقاب اجتماع مفاجئ للمجلس العسكري استمر ساعتين ونصف ساعة بحضور الرئيس عدلي منصور، رُقّي في خلاله رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي إلى رتبة فريق أول، تمهيداً لتوليه وزارة الدفاع.

«استعادة مصر وبناؤها» هو العنوان الذي اختاره لمشروعه السياسي الذي استدعى الكثير من الجهد لترتيب الوضع الداخلي قبل إطلاقه. البيت العسكري احتل الصدارة. هو البيت الذي لم يبق فيه أي قيادي ممن خاض معارك مع إسرائيل، باستثناء عبد المنعم التراس. في النهاية، بعد ثلاثة أعوام من الاضطراب، تجد مصر نفسها منهكة اقتصادياً وأمنياً، في الداخل، وتسعى إلى استعادة هيبتها في الخارج.
كثيرة كانت الكلمات التي عبّر فيها عن هول المشاكل التي تعانيها مصر. كان واضحاً أنه أراد أن يخفض سقف الآمال من معجزات بات واضحاً أن زمانها قد ولّى. ركّز كثيراً على الداخل، على الحاجة إلى الكرامة والأمن والحرية والخبز. لكنه تحدّث أيضاً عن الهيبة، من دون أن يفصح عن كيفية استعادتها ولا عن الاصطفاف الجيوسياسي لمصر في عهده.
وتقول مصادر مطلعة من أوساط المؤسسة العسكرية، لـمراسلة «الأخبار» إيمان إبراهيم، إنه «رغم أن المشير أقسم في شهر كانون الثاني الماضي إنه لن يترشح، إلا أن الضغوط الخارجية التي تمارس حروباً من الجيل الرابع واقتراب دخول المنطقة العربية لحروب من الجيل الخامس، أجبرته على خوض ماراثون الانتخابات الرئاسية، خصوصاً بعد أن وقف على مؤشر تواصل الشعب المصري ومدى وعيه ومطالبه المتكررة بتولي مهمة الرئاسة ليعبر بمصر هذه الفترة العصيبة». وأضافت المصادر أن «المشاريع الاستثمارية الهادفة إلى توظيف شباب مصر العاطل، هي المهمة الأساسية للمشير السيسي مع النهوض بمستوى التعليم واحتضان أطفال الشوارع ودمجهم في المجتمع مرة أخرى، وتوفير الأدوية العلاجية المصنوعة داخل مصر وعدم الاعتماد على الخارج، مع توفير مساحة ومخصصات مالية حكومية لدعم الفلاح المصري والنهوض بمستوى المحاصيل الزراعية».
وقال السيسي، في كلمته أمس مخاطباً «شعب مصر العظيم»: «اليوم، أَقِفُ أمامَكم للمرةِ الأخيرة بزيّي العسكري، بعد أن قررتُ إنهاء خدمتي كوزير للدفاع … قضيتُ عمُري كله جندياً في خدمة الوطن، وفي خِدْمةِ تطلعاته وآمالِهِ، وسأستمر إن شاء الله». وأضاف أن «هذه اللحظة مهمة جداً بالنسبة إلي. أول مرة ارتديت فيها الزي العسكري كانت سنة 1970، طالب في الثانوية الجوية عمره 15 سنة… يعني نحو 45 سنة وأنا أتشرف بزي الدفاع عن الوطن… واليوم، أترك هذا الزي أيضاً من أجل الدفاع عن الوطن».

السيسي: أمامَنا كلنا كمصريين، مهامّ عسيرةٌ... علينا إعادةُ ملامح الدولة وهيبتها


وتابع أن «السنوات الأخيرة من عمر الوطن تؤكد أنّه لا أحد يستطيع أنْ يُصبحَ رئيساً لهذهِ البلادِ من دون إرادةِ الشعبِ وتأييدهِ… لا يمكنُ على الإطلاقِ، أنْ يجبرَ أحدٌ المصريين على انتخابِ رئيسٍ لا يُريدونَهُ… لذلكَ، أنا وبكلِّ تواضعٍ أتقدمُ لكمْ مُعلِناً اعتزامي الترشح لرئاسةِ جمهوريةِ مصرِ العربية… تأييدكم، هو الذي سيمنحني هذا الشرفَ العظيمْ». وشدد السيسي، الذي بإعلانه ترشّحه تكون قد بدأت المراحل النهائية في خريطة المستقبل التي نص عليها بيان المؤسسة العسكرية المعلن في 3 حزيران من العام الماضي، على أنّ «لدينا نحن المصريين، مهمة شديدة الصعوبةِ، ثقيلة التكاليفِ، والحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في مصر، سواء ما كانَ قبلَ ثورةِ 25 يناير، أو ما تفاقمَ بعدَها حتى ثورةِ 30 يونيو – وصلَ إلى الحد الذى يفرضُ المواجهةَ الأمينةَ والشجاعةَ لهذه التحديات». وقال: «يجبُ أنْ نكون صادقين مع أنفسِنا، بلدُنا يواجهُ تحدياتٍ كبيرةٍ وضخمة، واقتصادُنا ضعيف. في ملايين من شبابنا يعانون من البطالةِ في مصر، هذا أمرٌ غيرُ مقبول، ملايينُ المصريين يعانون من المرضِ، ولا يجدون العلاجِ، هذا أمرٌ آخر غيرُ مقبولْ. مصر البلدُ الغنيةُ بمواردها وشعبها – تعتمدُ على الإعاناتِ والمساعدات، هذا أيضاً أمرٌ غيرُ مقبول. فالمصريون يستحقونَ أنْ يعيشوا بكرامةٍ وأمنٍ وحريةٍ، وأنْ يكونَ لديهِمُ الحقُ في الحصولِ على عملٍ وغذاءٍ وتعليمٍ وعلاجٍ ومسكنٍ في متناولِ اليدْ». وأضاف: «أمامَنا كلنا كمصريين، مهامّ عسيرةٌ: إعادةُ بناءِ جهازِ الدولةِ الذي يعاني حالة ترهلٍ تمنعه من النهوضِ بواجباتِهِ... إعادةُ عجلةِ الإنتاجِ إلى الدورانِ فى كل القطاعات... إعادةُ ملامح الدولة وهيبتها... مهمتُنا استعادةُ مِصرْ وبناؤها». وتابع قائلاً إن «ما شاهدته مصر خلال السنوات الأخيرة، سواء على الساحةِ السياسيةِ أو الإعلاميةِ، داخلياً أو خارجياً، جعل من هذا الوطن في بعضِ الأحيانِ أرضاً مستباحة للبعضِ، وقد آنَ الأوانُ ليتوقفَ هذا الاستهتارُ وهذا العبثُ؛ فهذا بلدٌ له احترامُهُ وله هيبتُهْ، ويجب أن يعلم الجميعُ أن هذهِ لحظةٌ فارقةٌ، وأنّ الاستهتارَ في حق مصرَ مغامرةٌ لها عواقِبُها، ولها حسابُها، مصرُ ليست ملعباً لطرفٍ داخليٍ أو إقليمىٍ أو دُوَلىٍ… ولن تكون».
وقال السيسي إن «اعتزامي الترشح، لا يصحُّ أن يحجبَ حقَّ الغير وواجبه إذا رأى لديه أهليةَ التقدمِ للمسؤوليةِ، وسوف يُسعِدُنيِ أن ينجحَ أيّ من يختار الشعبُ، ويحوز ثقةَ الناخبين».
وكشف السيسي عن أنه «لن يكون لدي حملة انتخابية بالصورة التقليدية… لكن بالتأكيد فإنّ من حقّكُم أن تعرِفوا شكلَ المستقبلِ كما أتصورُهُ، وهذا سيكون من خلال برنامج انتخابي ورؤية واضحة تسعى لقيامِ دولة مصرية ديموقراطية حديثة، سيتم طرحهما بمجرد سماح اللجنة العليا للانتخابات بذلك».

صدقي صبحي: مكوك الجيش المصري

«غداً ستترحم الأجندات المسلحة والإرهابية على رأفة السيسي بهم»، جملة ترددت كثيراً بين أروقة وزارة الدفاع طوال يوم أمس، في إشارة إلى قوة الفريق صدقي صبحي وزير الدفاع الجديد ورئيس الأركان السابق للقوات المسلحة. «ماذا تريدين من رجل اعتاد أن ينام 4 ساعات في اليوم؟»، تساؤل طرح عند كل محاولة للتعرف إلى شخصية صبحي، الذي تولّى مهمه تحرير الجنود السبع الذين اختُطفوا في أيار 2013. وقتها كان لا يزال رئيس هيئة تدريب القوات المسلحة وقائد الجيش الثاني الميداني. وتقول مصادر عسكرية إن «كل الكتائب والتشكيلات التابعة للجيش لم تتحرك طوال 20 شهراً الماضية إلا بعد أمر مباشر» من صبحي، وذلك بموجب تسلسل الأدوار التي يقوم بها قادة القوات المسلحة في الجيش المصري وتقسيم الوظائف المكلف بها قادته.
وصدقي كان المسؤول الأول عن تحرك وحدات الجيش في كل الأسلحة وفي مختلف التشكيلات المسلحة، وأشرف مع السيسي على غرف العمليات التي عملت على تأمين البلاد منذ عام 2012 منذ توليه مهمات منصبه في رئاسة الأركان. كذلك إن تحركاته المكوكية نجحت في استعادة الروح المعنوية لعناصر القوات المسلحة.
وصبحي من مواليد 1955.

عبدالمنعم التراس: بطل حرب أكتوبر

أما الفريق عبد المنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوي، الذي رُشِّح لتولي منصب رئاسة أركان الجيش المصري خلفاً لصبحي الذي رُشِّح ليتولى منصب وزير الدفاع، فهو من أبناء محافظة البحيرة، وتخرج في الكلية الحربية عام 1972، وشارك في حرب أكتوبر 1973، ليكون هو القائد الوحيد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحالي، الذي شارك في الحرب.
وتولى التراس خلال عمله جميع المناصب القيادية في قوات الدفاع الجوي بداية من قائد كتيبة صواريخ دفاع جوي، ثم قائد لواء صواريخ، ورئيس أركان فرقة دفاع جوي، وقائد فرقة دفاع جوي، ومدير لكلية الدفاع الجوي، ثم رئيس لأركان قوات الدفاع الجوي، حتى عينه محمد مرسي في آب 2012 قائداً لقوات الدفاع الجوي، أحد أهم الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة خلفاً للفريق عبد العزيز سيف الدين.