دمشق | ينتظر السوريون الانتخابات المزمع عقدها في التاسع عشر من تموز/ يوليو المقبل. تختلف هذه الجولة عن سابقاتها ببعض التغييرات «الشكلية» في طريقة اختيار المرشحين من «حزب البعث العربي الاشتراكي» بشكل خاص، بالإضافة إلى ارتفاع حظوظ المرشحين المستقلين للدخول إلى الندوة البرلمانية. اختار «البعث» هذه المرّة، في مرحلة أوّلية، أن تكون الثقة بالمرشحين من قواعد الحزب، أي «الرفاق»، بدلاً ممن كان يُسمّى «ثقة القيادة». في الظاهر، تبدو العملية ديموقراطية خالصة، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل مدينة ينتخب فيها البعثيّون ضعف العدد المطلوب للمجلس، ولاحقاً تختار «القيادة» نصفهم، ما يعيدنا إلى القاعدة الأولى التي كانت سارية قبلاً، فما الذي تغيّر إذاً؟ وما يزيد «شكليّة» هذه التغييرات، هو ما يُحكى عن فساد طاول بعض عمليات «الاستئناس الحزبي»، أو الانتخاب داخل الحزب، سواء على صعيد مشاكل فرز الأصوات، أو «شراء بعض الذمم». ويؤكد القيادي البعثي، وأمين فرع الحزب في حمص عمر حورية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ما حصل هو فرصة جيّدة جداً للمستقلين، للدخول القوي في المنافسة على المقاعد غير البعثية أو الجبهوية»، مؤكداً أن في الحزب «ديموقراطية مركزية، القيادات العليا تأخذ رأي القواعد، ولاحقاً تتخذ القرار... قرارنا شعبي مركزي، انتقلنا إلى شيء أكثر شعبية لاختيار الرفاق». كما يلفت إلى أن «البلاد تشهد حراكاً غير مسبوق للمستقلين، ما يعني فرصاً جيّدة جداً لهم»، بحسب تعبيره.في المقابل، يعتقد الإعلامي والمرشح المستقل حيدر مصطفى، في حديث إلى «الأخبار»، أن «فرصتنا محدودة، ليس بسبب حجم قوّة البعث، إنما الأمر متعلق بالشارع الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت لإعادة بناء الثقة مع المجلس وفئات المرشحين». كذلك يرى عضو مجلس الشعب الحالي، والمرشّح المستقل، وائل ملحم، أن منافسة البعثيين أساساً «مستحيلة» نظراً إلى اتساع قاعدتهم الجماهيرية، لكنه يعتقد أن الترشح خارج قوائم «الوحدة» (تضم مرشحي «البعث»، والأحزاب الحليفة، والمستقلين) التي كنت تعدُّ مسبقاً لا تُهزم ولا تُخترق، صار ممكناً أن يكون سبيلاً للنجاح أيضاً. ويقول: «في دورة مجلس الشعب السابقة، كان اسمي كمستقل ضمن قوائم الوحدة، وبالتالي كان من المستحيل لأحد منافستنا. لكن في هذه الانتخابات الحالية، كمستقل خارج قائمة الوحدة، يمكن معرفة وزني الانتخابي الحقيقي، مع بقية المستقلين».
كل الأحزاب التي رُخّصت بعد 2011 ليس لها أي قاعدة شعبية فعلياً


أمّا رئيس «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، وائل حسنية، فيرى في حديث إلى «الأخبار» أن «نقل البعث انتخاباته إلى قواعده هو شأن داخلي بحت لا علاقة لنا به»، ويضيف: «بالنسبة إلينا فنحن موجودون في أحزاب الجبهة، وهناك تعاون دائم، ضمن الأهداف المشتركة المعلنة». وعن «قوائم الجبهة» (تجمّع الأحزاب السورية المتحالفة مع «البعث») التي ستصدر بعد تنفيذ الاستحقاق البعثي الداخلي، يرفض حسنية أي سؤال عن احتمالية فكّ تحالف الجبهة، معتبراً أنها «أسئلة افتراضية لا يمكن الإجابة عنها»، ويكمل: «حضورنا ليس مرتبطاً بحزب البعث، ولكننا في جبهة واحدة، لا يمكن التفكير بالانفصال من عدمه، نحن حليفان ولكن لكل واحد رؤيته وموقعه». ويؤكد حسنية أن «ثقل القومي الانتخابي جاء من مشاركتهم في الحياة السياسية في سوريا منذ عام 2000»، لكن تقود تصريحات حسنية إلى التساؤل حول ضرورة انتظار القوميين «البعث» ليمنحهم مقاعد قليلة للغاية، إن كان لديهم حيثية شعبية وسياسية! وطبعاً، ليس «القومي» وحيداً في هذه القاعدة، إذ إن كل الأحزاب السورية التي رخّصت بعد عام 2011 ليس لها أي قاعدة شعبية فعلياً، ما يجعل منها أحزاب صورية مفصّلة على مقاس «الديموقراطية» المطلوبة إعلامياً.
رغم هذه التغييرات والتبدلات في شكل العملية الانتخابية، فإن من المبالغة في مكان الحديث عن آمال كبرى يرفعها السوريون في الانتخابات المقبلة، فسوريا اليوم تعيد إنتاج نفسها بكل مشاكلها وعثراتها وفسادها. ورغم الحديث هنا وهناك عن تجاوزات طاولت عملية فرز أصوات «الاستئناس» التي حصلت قبل أيام قليلة، في أكثر من مدينة، فإن الشفافية في الفرز في بقية المدن هذه المرة كانت جديدة على السوريين. ففرز الأصوات في مدينة حمص مثلاً، كان يجري عبر تقنية البثّ المباشر في موقع «فايسبوك»، لكن، من يعلم ماذا حصل قبل عملية «الاستئناس» والبثّ المباشر، في بلد تحكم فيه «التوجيهات العليا»؟ وما يجبرنا على هذا التساؤل هو نجاح شخصيات، كرؤساء نقابات مركزيين مثالاً لا حصراً، لم يزوروا محافظاتهم سوى في يوم «الاستئناس»، فكيف جاء نجاح هؤلاء عبر تصويت «الرفاق» البعثيين؟! كذلك، فإن هناك من يتساءل عن كيفية السماح لرؤساء النقابات بترشيح أنفسهم، مقابل حجب الحق ذاته عن الرؤساء الفرعيّين، أو اشتراط أن يقدّموا استقالاتهم، ما يعيدنا مجدداً إلى انتخابات قد يبدو جزءٌ منها مفصّلاً على مقاس المرشّحين.